فهل تهيأ لأحد منهم قط أن يعارض سورة من سور القرآن بشيء يكون عند أهل اللغة والفصاحة مقاربا للقرآن في النظم والتأليف، وحسن المعاني، وعذوبة الألفاظ، فضلا عن المساواة له؟ مع ما تضمنه القرآن من علم الغيوب التي لا يعلم علمها، ولا يقدر على أن يطلع عليها أحد غير الله؛ وذلك أنه أخبر في القرآن عن أمور قبل كونها، فكانت على ما أتت به الأخبار، من ذلك قوله تعالى: {ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} (¬1) ، وكانت فارس غلبت الروم على أرض الجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من سلطان فارس، فسر بذلك مشركو قريش، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على أهل فارس؛ لأن الروم أهل كتاب، وفارس مجوس، فساءهم أن غلبوهم على شيء من بلادهم، فأنزل الله عز وجل: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون}، أي الروم بعد أن غلبوا سيغلبون أهل فارس في بضع سنين، والبضع عند أهل اللغة: ما فوق الثلاثة ودون العشرة، فغلبت الروم أهل فارس، وأخرجوهم من ديارهم يوم الحديبية (¬2) ، وذلك بعد سبع سنين، ثم قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد} (¬3) ، أي له القضاء بالغلبة لمن يشاء من قبل ومن بعد، {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} (¬4) ، أهل الكتاب على المجوس، وبتصديق الله عز وجل ما وعد من ذلك، ومن أعجب ما في الآية: تحديد الله عز وجل للوقت في بضع سنين، ولم يقل: {وهم من غلبهم سيغلبون} فيما بعد، ثم قال مؤكدا لما وعد محققا: {وعد الله لا يخلف وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (¬5) ،
¬__________
(¬1) - سورة الروم، آية رقم 1 4.
(¬2) - راجع ما كتبه ابن هشام في سيرته ج2، وما كتبه ابن كثير في كتابه القيم البداية والنهاية.
(¬3) - سورة الروم، آية رقم 4.
(¬4) - سورة الروم، آية رقم 5.
(¬5) - سورة الروم، آية رقم 6..
পৃষ্ঠা ৬৬