واحد؟ فإن قالوا جنس واحد قيل: وكيف سميتم بعض الجنس بالنور، وسميتم البعض الآخر بالظلمة، وهو كله جنس واحد؟ فإن قالوا: جنسان مختلفان، قيل لهم: فأيهما طلب المزاج فمازج؟ فإن قالوا: الظلمة سئلوا عما سئلت عنه المنانية، وإن قالوا: النور سئلوا عما سئلت عنه الديصانية، وإن قالوا: الإنسان المتوسط بينهما طلب أن يمازجهما، قيل لهم: فما دعاه إلى ذلك، إذا كان خبيرا حكيما، يعرف ما له وما عليه؟ فما هي ممازجة النور الظلمة من الحكمة؟ وإن كان شريرا جاهلا فلم جعلتموه ثالثا بينهما، وهو جاهل؟ وكيف لم تقولوا ظلمة؟ والظلمة شر، وإن كان خيرا فكيف لم تلحقوه بالنور؟ ثم يقال لهم: أخبرونا عن هذا المتوسط، هل له حقيقة من علم أو جهل؟ فإن قالوا: نعم قيل لهم: فعلى أي الأمرين هو؟ فإن قالوا: على الجهل (¬1) قيل: فهو إذن ظلمة، وإن قالوا: على العلم قيل لهم: فهو إذن نور، فأيما قالوا من ذلك صاروا به إلى أحد القولين، فيدخل عليهم جميع ما أدخلناه على إخوانهم الأولين.
¬__________
(¬1) - الجهل: يطلق الجهل عند المتكلمين على معنيين: الأول: هو الجهل البسيط، وهو عدا العلم عما من شأنه أن يكون عالما، فلا يكون ضد العلم، بل مقابلا له، تقابل العدم والملكة، ويقرب منه السهو والغفلة والذهول.
الثاني: الجهل المركب: وهو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع، وإنما سمي مركبا لأنه يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه. فهذا جهل أول، ويعتقد أنه يعتقده على ما هو عليه، وهذا جهل آخر قد تركبا معا، وهو ضد العلم. "راجع كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي: 1/278 279".
والجهل أنواع: باطل لا يصلح عذرا، وهو جهل الكافر بصفات الله تعالى وأحكامه، وكذا جهل الباغي، وجهل من خالف اجتهاده الكتاب والسنة، بخلاف الجهل في موضع الاجتهاد فإنه يصلح عذرا.
পৃষ্ঠা ৪৬