... ويسأل المنجمون منهم في زعمهم أن هذا العالم بما فيه متصل بالنجوم، وأن النجوم هي التي تضطره إلى جميع ما يحدث فيه، ويكون منه، فيقال لهم: أخبرونا عن هذه النجوم أليست هي أجسام بمكان دون مكان؟ فلا بد من بلى، فيقال لهم: كيف تضطر هذه النجوم التي هي في السماء شيئا هو في الأرض؟ وهل يفعل الجسم في مكان ليس هو فيه، ولم يشغله؟ فما أنكرتم هذا المعنى أن يكون الإنسان في الأرض وهو يضطر النجوم ويحملها على ما كان منها، والإنسان حي والنجوم موات، فهو أولى بأن يضطرها إلى ما يكون منها، من أن تكون النجوم هي التي تضطر الإنسان، ثم يقال لهم: أخبرونا عن هذه الأشياء التي في الأرض، أليست إنما تتحرك وتسكن بتحريك الأفلاك إياها وتسكينها لها؟ فيقولون: بلى، قيل لهم: والأفلاك أيضا إنما تتحرك وتسكن بتحريك ما فوقها إياها، وبتسكينه لها، فيتصل ذلك إلى غير غاية أو إلى غاية؟ فإن قالوا: إلى غاية أثبتوا النهاية، وخرجوا من قولهم، فإن قالوا: إلى غير غاية أحالوا، وقد دللنا في غير موضع من كلامنا على فساد وجود ما لا غاية من الأشياء.
الرد على أصحاب الطبائع (¬1) :
... ويسأل أصحاب الطبائع في زعمهم أن الأشياء تتكون من طبائع أربعة:
¬__________
(¬1) - يقول صاحب كتاب النور: الطبائع هي: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، فقالوا باجتماعها صح تركيب العالم، وهذا لا يصح؛ لأن الحرارة ضد البرودة، والرطوبة ضد اليبوسة، ولا يجوز اجتماع الضدين في ذات واحدة، كما أن الحركة ضد السكون، والسواد ضد البياض، فلا يجوز اجتماع هذه المتضادات، فبطل ما قالوه: إن باجتماعهما تركيب العالم؛ لأن الطبائع محتاجة إلى المكان، وليست بقائمة بأنفسها، فتكون غير مستطيعة على القيام بنفسها على حدثها، إذ حقيقة القديم استغناؤه عن المكان والزمان، والله تعالى أعلم. كتاب النور، ص42، للعالم الفقيه عثمان بن عبد الله الأصم.
পৃষ্ঠা ২১