... فإن سأل سائل فقال: قد دللتم على حدوث الأشياء لا من شيء، فهل تقولون إن لها محدثا أحدثها؟ ولعل هذه الأشياء حدثت لغير محدث، ولعلها حدثت (¬1) من تلقائها، وما دلكم على حاجتها إلى محدث يحدثها؟ قيل له: لا تخلو هذه الأشياء من وجهين لا ثالث لهما: إما أن تكون حدثت بمحدث أحدثها، أو حدثت من تلقائها بلا محدث، وبطل أن تكون تحدث من تلقاء نفسها؛ لأنها لو كانت كذلك لحدثت قبل وقت حدوثها أو بعده، ولكان المتقدم منها متأخرا، والمتأخر متقدما، والمتوسط متقدما أو متأخرا، أو متقدمة جميعا، أو متأخرة جميعا، فلما أن وجدناها حدثت في وقت حدوثها، دون ما قبل ذلك الوقت، ودون ما بعده، ووجدنا المتقدم منها متقدما، والمتوسط متوسطا، والمتأخر متأخرا علمنا أن ذلك لم يكن إلا بإرادة محدث أحدثها، فقدم منها ما أراد أن يقدمه، ووسط ما أراد أن يوسطه، وأخر ما أراد أن يؤخره، وبطل عندما ذكرنا القول بأن الأشياء حدثت من تلقاء نفسها بغير محدث، وثبت القول الثاني بأن الأشياء محتاجة إلى محدث يحدثها في أوقات حدوثها، يقدم ما أراد تقديمه منها، ويؤخر ما أراد تأخيره. فإن قال: وما يدريكم لعل هذه الأشياء أحدثت أنفسها (¬2)
¬__________
(¬1) - سقط من (ب) لفظ (حدثت).
(¬2) - يقول الشيخ نديم الجسر: هناك ثلاثة فروض لا رابع لها أبدا الأول: أن تكون من صنع الله، الثاني: أن تكون من صنع ذي المادة، الثالث: أن تكون هذه التنوعات حدثت بطريق المصادفة. أما الفرض الأول: فيقول به المؤمنون بالله، وأما الفرض الثاني فلا يقول به أحدا مطلقا لا المؤمنون ولا الماديون، بل إن هؤلاء الماديين أنكروا إنكارا قاطعا أن يكون لعناصر المادة إرادة وقصد وغاية.
إذا قد أصبحنا أمام فرضين لا ثالث لهما: فإما أن تكون تنوعات العالم من خلق الله وصنعه، وإما أن تكون نتيجة للمصادفة.
ونظرة في ملكوت السماوات والأرض من الذرة إلى المجرة، وعدد ما يربط بينها في عالم الأمر من روابط وعلائق على اختلاف النواميس والأقدار، والمدد والأشكال، والحركات والأوضاع، ثم ما في هذا الكون الكبير من تقدير، واتزان وتنظيم، وترتيب وإحكام، وإتقان تنفي نفيا قاطعا أن يكون للصدفة مكان في هذا الخلق العجيب.
قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (سورة القمر: 49)، وقال تعالى: {وكل شيء عنده بمقدار} (سورة الرعد: 8)، وقال تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} (سورة النمل:88)، وقال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} (سورة الحجر: 8)، إلى غير ذلك من الآيات البينات التي تنفي نفيا قاطعا أن تكون هذه الأشياء أحدثت نفسها أو حدثت عن طريق العفوية والمصادفة. راجع قصة الإيمان للشيخ نديم الجسر، باب حظ المصادفة 295 297 بتصرف.
পৃষ্ঠা ১৪