علمنا أنهم لو كانوا منقوصين غير وافرين كانوا قد كلفوا ما لا تحتمله خلقتهم، والمكلف لعباده ما لا تحمله خلقتهم، والمخاطب لهم بما لا تفي به حواسهم جائر ظالم، قالوا: فإذا كان الله لا يليق به ذلك علمنا أنهم كانوا وافرين غير عاجزين ولا منقوصين، وإذا كانوا كذلك صار الواجب (¬1) أن يحكم بالمفهوم دون المعقول، وبالسائغ دون الظاهر، فقلنا: هم صم بكم عمي لا يعقلون، ما أنهم تعاموا وتصاموا وعملوا عمل من لا يعقل، فإذا قالوا ذلك، قلنا لهم: فإنا لم نعد هذا المذهب في جميع ما سألتمونا عنه من الآي التي تلوتموها علينا، والأحاديث التي رويتموها لنا، فقد حملنا جميع ذلك على المفهوم (¬2)
¬__________
(¬1) الواجب الشرعي: ما أثم تاركه، والواجب المطلق: هو ما لا يتوقف وجوبه على وجود مقدمة وجوده من حيث هو كذلك، كالصوم مثلا فإنه واجب مطلقا بالقياس إلى النية. والواجب المقيد: ما يتوقف وجوده على وجود مقدمة وجوده من حيث هو كذلك، فهو كالصوم مثلا فإنه مقيد بالقياس إلى البلوغ.
(¬2) المفهوم: هو الصورة الذهنية سواء وضع بإزائها الألفاظ أو لا، كما أن المعنى هو الصورة الذهنية من حيث وضع بإزائها الألفاظ، وقيل: هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.
والمفهوم الكلي: هو أمر واحد في نفسه متكثر بحسب ما صدق عليه، فقد اجتمع فيه الوحدة والكثرة من جهتين، ويسمى واحدا نوعيا إن كان نوعا لجزئياته كالإنسان، وجنسيا وفصليا على قياس النوعي، وأفراده كثيرة من حيث نواتها واحدة من حيث جزئيات المفهوم الواحد في نفسه، وتسمى واحدا بالنوع أو بالجنس أو بالفصل.
والمفهوم عند بعض أصحاب الشافعي قسمان: مفهوم المخالفة، ويسمى بدليل الخطاب: وهو أن يثبت الحكم في المسكوت عنه على خلاف ما ثبت في المنطوق.
ومفهوم المخالفة: هو أن يكون المسكوت موافقا للمنطوق في الحكم، كالجزاء فوق المثقال في قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} (سورة الزلزلة: 7)، وهو تنبيه بالأدنى على أنه في غيره أولى.
পৃষ্ঠা ১২৩