ونحن نريد الآن أن نذكر خاصية دلالة القمر على المد والجزر وغيرهما من الأشياء وذلك أن الفيلسوف قال إن أعم دلالة الشمس على النار والهواء وأعم دلالة القمر على الماء والأرض وإنما صارت دلالة الشمس والقمر في هذا العالم أقوى وأظهر من دلالة سائر الكواكب لعلتين إحداهما أن الشمس أكبر الكواكب قدرا وهي متوسطة البعد منا والقمر أقرب الكواكب إلينا فأما سائر الكواكب فإن بعضها وإن كان فيه كبر فإنه بعيد عنا وبعضها وإن كان قريبا منا فإنه صغير القدر والقمر أقرب إلينا منه والعلة الثانية أن الكواكب نيرة مضيئة لا شعاع لها فالذي يظهر من فعلها في هذا العالم إنما هو بقوة حركاتها وضوئها فأما النيران فإن لهما شعاعا قوي الفعل في هذا العالم فهما يفعلان فينا بحركاتهما وشعاعهما وهما يؤديان طبائع الكواكب إلى هذا العالم في الأركان الأربعة وقد زعم بقراط في كتاب الأسابيع أن القمر هو المتوسط بين الأجرام السماوية والأرضية وهو المؤدي من الأجرام العلوية إلى الأجرام الأرضية وهو المغير للهواء فلهاتين العلتين صارت قوة حركة النيرين أظهر في هذا العالم من قوة حركة غيرهما من الكواكب
فأما الشمس فقد ذكرنا قوتها في اعتدال الهواء والتركيبات وسائر الأشياء وأما القمر فإن أقوى دلالته على المياه والبحار والأرضين وحال الحيوانات وتغيير الأبدان والصحة والأمراض وأيام المرضى التي هي في البحرانات والحالات المختلفة والتوالد والأشجار والنبات والفواكه والرياحين وأشياء سنذكرها فأما دلالته على البحار فكما نرى المد والجزر متصلين بالقمر لأن القمر هو علة المد والجزر الذي يكون في البحار وقد ذكر القوم الذين نظروا في الأشياء الطبيعية أن من البحار ما يزيد من حين يفارق القمر الشمس إلى نصف الشهر الذي هو الامتلاء ثم ينقص من بعد الامتلاء عند نقصان القمر إلى آخر الشهر الذي هو المحاق ومنها ما يمد ويجزر في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وبلوغه إلى وسط السماء ومغيبه
পৃষ্ঠা ২৬৪