وكان مستشار الداخلية وقتئذ رجلا يدعى «مستر شتى»، وكان من عقلاء الإنجليز، يحب صداقة المصريين، ويميل إلى تشجيعهم، ويرى في هذه السياسة مصلحة لإنجلترا، فاجتمعت به، وأخبرته بما حدث وهددت بالاستقالة إن لم يحضر هؤلاء الموظفون جلسة المجلس القادمة التي حددتها، فاهتم الرجل بالأمر، وبعث إليهم ولامهم على ما فعلوا، ومن ذلك اليوم لم يتخلفوا عن حضور الجلسات.
قضيت سنتين في هذه الوظيفة، وفي 20 فبراير سنة 1910 كنت جالسا ظهرا بمكتبي، فأخطرت بمقتل رئيس الوزارة بطرس غالي باشا على سلم وزارة الخارجية بمبنى وزارة الحقانية.
أشفقت من خطر هذا النبأ، ووقع عندي موقعا سيئا، وأسرعت إلى مكان الحادث، فوجدت الرئيس منطرحا في فناء الوزارة، وحوله حسين رشدي باشا وعبد الخالق ثروت باشا النائب العام، وأحمد فتحي زغلول وكيل الحقانية. ووجدت إبراهيم الورداني، وقد قبض عليه، واستدعي الدكتور سعد الخادم، فأخذ يسعف الجريح وكان في النزع الأخير، فحمل إلى مستشفى الدكتور ملتون.
ويلخص الحادث في أن بطرس باشا اعتاد أن يخرج من النظارة في الساعة الواحدة بعد الظهر، فخرج في ذلك اليوم، وكان يصحبه حسين رشدي باشا، وثروت باشا وفتحي زغلول باشا، ثم فارقهم عند السلم الخارجي، وعندما هم بركوب العربة دنا منه الورداني متظاهرا بأنه يريد أن يرفع إليه عريضة، وأطلق عليه رصاصتين، وما كاد يلتفت حتى أطلق عليه أربع رصاصات، فسقط مضرجا بدمائه بجوار عربته، وحمل إلى داخل الوزارة.
وكان محمد سعيد ناظر الداخلية «وزير الداخلية» قد ركب قطار الظهر إلى الإسكندرية؛ ليقضي راحته الأسبوعية، فاتصلت توا بمحمد محب باشا مدير الغربية إذ ذاك، وطلبت إليه أن يبلغه بالحادث عند وصوله إلى طنطا ليعود إلى القاهرة فورا ... ففعل.
وقد عز على الخديو عباس أن يقتل رئيس وزرائه، لما كان يتمتع به من ثقته ومحبته، وذهب إلى المستشفى يستفسر عن حالته، ودخل عليه في غرفته وقبله في وجهه والدموع تملأ عينيه، وكان المصاب قد تنبه قليلا، فجعل يقول: العفو يا أفندينا ... متشكر ... العفو يا أفندينا ... متشكر ...!
وأجريت له عملية جراحية، ولكن لم تأت الساعة الثامنة مساء حتى قضى نحبه ...
وزارة محمد سعيد
جلست في تلك الليلة - ليلة وفاة رئيس النظار - مع محمد سعيد باشا في منزله، فقال لي: والله طارت الوزارة يا إسماعيل ...!
فقلت له: بالعكس ... فإنني أتنبأ بأنك رئيس النظار المقبل ...
অজানা পৃষ্ঠা