وكان صديقي وزميلي عبد الخالق ثروت الذي كان يسبقني بسنة قد عين سكرتيرا للجنة المراقبة القضائية، وسكرتيرا للمستشار القضائي، وكان مرتبه 15 جنيها، فنقلت بمساعدته إلى هذه اللجنة بمرتب «ثمانية جنيهات»، فقضيت في هذه الوظيفة سنتين لم يزد مرتبي فيهما شيئا، ولم أتبرم بالحياة على الرغم من أن هذا المرتب لم يكن يكفيني. ثم عينت في بلدة إيتاي البارود في وظيفة مساعد نيابة بعشرة جنيهات، وكنت أسكن منزلا بسيطا أعيش فيه عيشة متواضعة، مع ثلاثة غيري من خريجي الحقوق أحدهم صديقي الأستاذ عزيز بك خانكي، ونقلت منها إلى طنطا، ثم إلى المحلة، ثم عدت إلى طنطا.
كانت هذه التنقلات في هذه البلاد الريفية بلا ترقية، وبمرتب لم يزد عن عشرة جنيهات خلال أربع سنوات. ومع ذلك لم أضق بنفسي معتمدا على الله وعلى انتهاز الفرص!
من 10 جنيهات إلى 30 جنيها
وذات يوم كنت واقفا في محطة طنطا، فسمعت صوت محمد سعيد بك «دولة سعيد باشا رئيس الوزارة فيما بعد» يناديني، وكان وقتئذ رئيس نيابة الإسكندرية، وعضوا في مجلس البلدية بهذه المدينة بحكم وظيفته، فعرض علي أن أنقل معه بالإسكندرية في وظيفتي التي أشغلها بطنطا، فوافقت، ونقلت في وظيفة «مساعد نيابة» وبمرتبي وهو عشرة جنيهات.
وبينما كنت أقوم بعملي يوما قرأت إعلانا في الجرائد أن وظيفة سكرتير إداري مجلس بلدية الإسكندرية، ورئيس قسم القضايا فيها معروضة لمسابقة بعد عشرة أيام، ومرتب هذه الوظيفة ثلاثون جنيها في الشهر، فتقدمت إلى هذه المسابقة، وكان سني وقتئذ 23 عاما، وقد تقدم فيها أكثر من خمسين شخصا أكثرهم من المحامين الأجانب، وكان موضوع المسابقة الكتابة باللغة الفرنسية فيما يأتي: «هل الأفضل أن تكون مواصلات المدينة في يد الحكومة أم في يد شركة أهلية؟!»
فكتبت في هذا الموضوع بإسهاب، ورجحت أفضلية الإدارة الأهلية؛ لأنها تؤدي إلى إتقان العمل والشعور بالمسئولية، وبينت أيضا وجهة النظر الخاصة بإدارة الحكومة كما فصلت كلتا النظريتين.
وفي اليوم التالي لهذه المسابقة سمعت أن اللجنة أعجبت بكتابتي، وأوصت بتعييني في الوظيفة، وبذلك ارتفع مرتبي من عشرة جنيهات إلى ثلاثين جنيها ...!
مقتل بطرس غالي باشا
مكثت في هذه الوظيفة عشر سنوات عينت خلالها سكرتيرا عاما للبلدية يحل محل المدير عند غيابه، وقد كانت مدة وظيفتي كسكرتير لمجلس البلدية مدة أفادتني الشيء الكثير وساعدتني على شق طريقي بعد ذلك، فما البلدية إلا حكومة مصغرة تشمل كل فروع الإدارة التي لها نظائر في الحكومة، وكانت سنة 1908 فاختير محمد سعيد باشا وزيرا للداخلية في وزارة بطرس غالي باشا، وكان سعد زغلول وزيرا للمعارف في هذه الوزارة، وحسين رشدي وزيرا للحقانية، وإسماعيل سري باشا للأشغال والحربية، وفخري باشا للمالية، وبطرس باشا للرياسة والخارجية.
كانت سني وقتئذ 33 عاما، وكان محمد سعيد باشا يوليني ثقته وصداقته، فأنشأ في الداخلية منصب سكرتير عام الوزارة، ونقلني إليه، وأسند إلي اختصاصات الوكيل، وبذلك أصبحت رئيسا لكبار الإنجليز التابعين للداخلية كمدير السجون، ومدير مصلحة الصحة والبلديات، وكان لهذه الوزارة مجالس منها المجلس الأعلى للبلديات، وكان ينعقد تحت رياستي، فكبر على هؤلاء الإنجليز أن يحضروا جلسات المجلس على هذا الوضع بعد أن كنت مرءوسا لبعضهم، فلما حان موعد الجلسة الأولى بعثوا بوكلائهم لحضورها، وأدركت ما يرمون إليه، فأجلت الجلسة لهذا السبب، وحددت موعدا آخر وبعثت إلى كل منهم بخطاب لحضور الجلسة القادمة .
অজানা পৃষ্ঠা