طوائف من أرقى الطبقات رجالا وسيدات تشع من نحورهن وأصابعهن أنوار الحلي البراقة والماسات ذات اللون الأصفر الفاقع الذي لم أر له مثيلا في غير البرازيل. وقد خيل إلي وأنا أنظر إلى السيدات إذ ذاك بأن هنالك قطعة متماسكة من الجواهر أو صفوفا متراصة من اللآلئ. ورفع الستار فمثلنا رواية (ريا وسكينة) وهي من فصل واحد انتهى دون أن أتبين له في نفوس الجمهور نتيجة ... ثم جاء أوان البدء في رواية (البرنسيس).
وهي تبدأ بظهور بديعة على المسرح أولا، وبعد فترة طويلة أظهر أنا ... فعكفت في غرفتي أعالج تهيئة وجهي بالميكياج وأنا أرتجف لوعة، وتملكني خوف أحسست معه كأني مبتدئ لم يعهد أضواء المسرح، ولم يبد أمام الجمهور من قبل. ثم أرهفت أذني منصتا لأقوال بديعة، أستشف أثرها في أفئدة الناس. وقد سرني أن وجدتها تمثل في إقدام وشجاعة، وكأننا على مسرحنا المعتاد في مصر. وكان أن ظهرت أنا أيضا متشجعا حتى أتممنا الفصل الأول بين عاصفة من التصفيق والهتاف، وامتلأ المسرح بالصحفيين والمهنئين، وغرقنا في لجة من القوم الذين أحاطوا بنا إحاطة السوار بالمعصم. وقد كان فخر أفراد الجالية السورية بإخوانهم المصريين لا يقدر. وانتهت الليلة ونحن نحمد الله كل الحمد، على ما أنعم علينا من توفيق حمل البرازيليين أنفسهم على تقديرنا ورفع شأننا.
فيفا ريحاني!
ارتفع شأننا بعد النجاح الذي لقيناه في (سان باولو)، وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في نادي (سبورتنج كلوب)، الذي أنشأته الجالية السورية في تلك المدينة. ذلك أن النادي دعانا إلى مشاهدة مباراة في كرة القدم، بين فريقه وفريق البرازيل ... وكان المتفرجون يزيدون على العشرين ألف متفرج امتلأت بهم جوانب الملعب. فما كدت وبديعة نظهر أمام هذا الجمع الحافل، لنأخذ أماكننا، حتى سمعنا هتافهم صاعدا إلى أجواء الفضاء (فيفا ريحاني) وفيفا معناها يحيا ... وأنت فاهم طبعا ...!
وقد قلت إن أسباب النزاع كانت متوافرة بين النزلاء السوريين وبين أهالي البلاد الأصليين، لتمكن الأولين من القبض على ناصية الحركة الاقتصادية والمالية دون الآخرين. ولذلك شاهدنا في ملعب الكرة قوة كبيرة من الجند كاملة السلاح، استعدادا لما عساه يحدث من احتكاك بين أفراد فريقي المتفرجين الذين عزل أحدهما عن الآخر، فجلس السوريون في ناحية والبرازيليون في الناحية الأخرى، ووضع بينهما فاصل من الجند المدجج بالسلاح حتى لا يغير أحدهما على الآخر، إذا ما توترت الأعصاب عقب هدف من الأهداف، أو إصابة لاعب من لاعب. على أن المعجزة التي تمت هي أنني كنت والحمد لله بمنجى من الأذى المتوقع، لأنني شملت برضاء الخصمين. وكنت بمثابة الضيف المرموق بعطف الفريقين.
ومن أمثلة الرضا التي حبانا بها الوطنيون في البرازيل، أن صحافتهم بعد أن شاهدت رواياتنا، عادت فأثنت على التمثيل بمستطاب الثناء، بعد أن كانت مقابلتها لنا قبل ذلك فاترة غير مطمئنة.
وفي فترة الاستراحة بين نصفي اللعب، أي (الهافتايم) بلغة الرياضيين، أو (الانتراكت) بلغتنا احنا يا ممثلين، عاد الهتاف يدوي (فيفا ريحاني)، وقد اشترك فيه الجميع حتى خلت نفسي رئيسا لجمهوريتهم، أو فاتحا لمالطة. أو على الأقل جبت الديب من ديله!!
واستؤنف اللعب، فهطل المطر مدرارا كأفواه القرب. أقول لك الحق دي فلسفة مني. لأن المطر كان مدرارا صحيح ... لكن مش كأفواه القرب. لكن نعمل إيه في فلاسفة اللغة، الذين يأتوننا بتشبيهات مش معقولة أولا ومستحيل تحصل ثانيا.
القصد يا سيدي نزل المطر كأفواه القرب وأمرنا لله، ومع ذلك ظل اللاعبون في تنافسهم دون أن يتوقفوا، مع أن الكرة كانت تعوم في بحر خضم.
وانتهى اللعب بفوز السوريين، ثم ابتدأت المعركة التي كان البوليس يخشاها. ومحسوبك وبديعة ومن معنا ... «فككان».
অজানা পৃষ্ঠা