মুধাক্কারাত জুঘরাফিয়্যা
المذكرات الجغرافية في الأقطار السورية
জনগুলি
23
ولعل الكتبة لم ينسبوها قبلا للفينيقيين ؛ لزعمهم أن الفينيقيين كانوا تجارا لا يهتمون بالفنون كمألوف عادة التجار؛ ولجهلهم تأثير الصناعة الشرقية بالصناعة اليونانية.
وقد أراد الله أن يعظم هذه الدعوة الشريفة التي خولها للفينيقيين ليكونوا وسطاء ونقلة للمواد التجارية وللأمثلة الصناعية، بأن جعلهم سماسرة الأفكار كما جعلهم سماسرة الأموال؛ ليعدوا الشعوب الجديدة لقبول الآداب والعلوم، ومهما قلنا في إطرائهم فإننا لن نبالغ؛ وذلك ليس فقط لأنهم بلغوا بقوافلهم إلى البلاد النازحة فوصلوا بين أطراف الأقطار وأقاصي الأصقاع، لكن أيضا لأنهم زودوا الشعوب بآلة عجيبة كانت أعظم عامل للتمدن، نريد صناعة الكتابة وحروف الهجاء.
والحق يقال: إن اختراع الأبجدية قد أجدى للبشر نفعا، قد خلف وراءه الاختراعات التي تتباهى بها أعصارنا؛ كفن الطباعة، واكتشاف فوائد البخار والكهرباء؛ لأن بهذه الصناعة الكتابية انفتحت للمعارف البشرية أبواب واسعة؛ إذ بها نستطيع تدوين كل لغات العالم حتى قبل فهمها، بها جرى تقلب عظيم في أحوال الشعوب، لكنه تقلب هادئ سلمي غايته التحاب وتقريب الأمم من بعضها.
يقول الفلاسفة إن العادة طبيعة ثانية. يريدون أن الإنسان لا يتأثر مما اعتاد نظره وائتلفه بالتكرار، فإن العجائب الطبيعية التي نراها كل يوم تسقط من أعيننا، فكذا قل عن اختراع الأبجدية، قال الأب ديلاتر اليسوعي: «ليت شعري، أيوجد شيء أعجب من اختراع الإنسان لعشرين إلى ثلاثين علامة، يتمكن بها على أن يترجم عن كل معاني قلبه وعواطف نفسه؟!» وهذه الطريقة العجيبة في سذاجتها يعود الفضل في اختراعها - وإن شئت قل: في نشرها - إلى الفينيقيين؛ فإنهم أبطلوا تلك الطرائق السابقة التي شاعت قبلهم بتوفير الصور الكتابية، وتمثيل مقاطع الألفاظ، ورسم أصوات الكلام التي كان يتيه فيها علماء مصر وبابل، فنابت بحروف الهجاء عن تلك المئات والألوف من العلامات حروف قليلة تؤدي كل تهجيات اللسان في لغات معظم الشعوب القديمة والحديثة.
وهنا أيضا قد لعبت الجغرافية دورا مهما، قال لونرمان في تاريخ الشرق القديم (ج1 ص448): «كان ينبغي للشعب المدعو لتنظيم الكتابة البشرية وتكميلها ونشرها، أن يكون شعبا تجاريا عاملا، لا يستغنى عن مسك الدفاتر وضبط الحسابات التجارية ، ويكون مع هذا متاخما لمصر موسوما بسمة التمدن المنتشر على ضفاف النيل.»
ولا نعرف في العالم القديم أمة غير الأمة الفينيقية كانت تقوم بهذه الشروط؛ إذ كانوا بموقع بلادهم أحق من سواهم بأن يكونوا قوما وسطا، متأهبين لنقل محصولات التجارة إلى الأقطار البعيدة والسواحل النائية، وهم مع ذلك مواصلون للأعمال مع مصر جارتهم.
وقد نقل الفينيقيون إلى البلاد السحيقة ليس فقط حروف الهجاء لتسهيل المعاملات، بل كل مصنوعات بابل ومصر مع أعمال صناعتهم الوطنية، وأضافوا إلى ذلك ما نقلوه من الأدوات المفيدة ومن الحيوانات الداجنة ومن أحرار البقول، وقد وجد الأثريون في أقطار غربية شتى ما كان أتى به إليها الفينيقيون من المعادن وضروب الخشب والصمغ والأنسجة والخزفيات، وغير ذلك من المصنوعات التي أعدت للتمدن القبائل الغربية المستوطنة للغابات، وقد جرى السوريون على هذه الطريقة في نقل اختراعات الشرق ومحصولات التمدن نحو ألف سنة، حتى أثر مثلهم في قلوب أولئك السكان فأخذوا ينهجون منهجهم ويتعقبون مدارجهم، قال بمبونيوس ميلا - السابق ذكره: (ك1، ف2): «إن الفينيقيين قوم جهابذة حذاق، يحسنون آداب الحرب ويستفيدون من منافع السلم، هم الذين وضعوا حروف الهجاء فاستخدموها لأعمال شتى، واخترعوا فنونا عديدة، وهم أيضا الذين سبقوا إلى خوض البحار، وتقدموا الشعوب في الحروب البحرية.»
جاء في كتاب حديث للعلامة فكتور بيرار دعاه «الفينيقيون والأوديساة»
V. Bérard:
অজানা পৃষ্ঠা