فغدا أسيرًا قد بللت ثيابه ... بدمٍ وبل ببوله الأفخاذا
يقول: غدا ابن يزداد، أسيرًا جريحًا، قد بللت ثيابه من دمه، وبل هو أفخاذه ببوله، خوفًا منك وفزعًا.
سدت عليه المشرفية طرقه ... فانصاع لا حلبًا ولا بغداذا
المشرفية: السيوف المنسوبة إلى اليمن وتعمل فيها. وانصاع: أي انصرف وانثنى. يقال: صعته فانصاع.
يقول: سدت عليه السيوف طرقه؛ لأنك أسرته فبقي حائرًا لم يصل إلى حلب ولا إلى بغداد.
طلب الإمارة في الثغور ونشؤه ... ما بين كرخايا إلى كلواذا
هاتان قريتان من رستاق بغداد.
يقول: إنه طلب إمارة الثغور، ونشؤه بين هذين الموضعين، والسواد لا تصلح للإمارة.
فكأنه حسب الأسنة حلوةً ... أو ظنها البرني والأزاذا
البرني والأزاذ: نوعًا من التمر.
يقول: حسب من جهله أن الأسنة حلوة، أو ظنها هذين النوعين من التمر، ولم يعلم أن طعمها بالخلاف.
لم يلق قبلك من إذا اختلف القنا ... جعل الطعان من الطعان ملاذا
يقول: إن ابن يزداد لم يلق قبلك رجلًا إذا ترددت الرماح واختلفت، جعل المطاعنة ملاذًا من المطاعنة، ومعناه: أنه يتحصن بالمطاعنة من أذى خصمه. فكأنه هرب من الطعان إلى الطعان، في حال ما يلتجىء غيره إلى العساكر والحصون.
من لا توافقه الحياة وطيبها ... حتى يوافق عزمه الإنفاذا
يقول: لم يلق ابن يزداد قبلك أحدًا لا توافقه الحياة وطيبها، أي لا تطيب له الحياة، حتى يمضي عزمه فيما يقصده.
متعودًا لبس الدروع يخالها ... في البرد خزًا والهواجر لاذا
اللاذ: ثوبٌ رقيق كالكتان، أو أرق منه.
يقول: لم يلق ابن يزداد قبلك متعودًا لبس الدروع في الصيف والشتاء حتى يخالها التذاذًا بها واعتيادًا للبسها أنها في البرد: خز. وفي الصيف: كتان، أو ثوب رقيق.
أعجب بأخذكه وأعجب منكما ... ألا تكون لمثله أخاذا!
يقول: ما أعجب أخذك له، وأسرك إياه! وأعجب منك ومنه ألا تكون أخاذًا لمثله مع فضل قوتك! وقال يرثي محمد بن إسحاق التنوخي
إني لأعلم واللبيب خبير ... أن الحياة وإن حرصت غرور
ورأيت كلًا ما يعلل نفسه ... بتعلة وإلى الفناء يصير
يقول: إني أعلم أن الحياة غرور، وإن حرصت عليها، وملت إليها، وإنما أعلم ذلك لأني عاقل، والعاقل يعلم ذلك لا محالة.
أمجاور الديماس رهن قرارةٍ ... فيها الضياء بوجهه والنور
الديماس: حفرة القبر، وقيل: هو اسم لحبس الحجاج، كان لا يدخله أحدٌ ويخرج منه! وقوله: رهن قرارةٍ: منصوب على الحال، أو على البدل من مجاور الديماس، والقرارة: أراد بها أرض القبر، والهاء في فيها ترجع إلى القرارة.
يقول: يا ساكن القبر قد أنار الأرض نور وجهك.
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى ... أن الكواكب في التراب تغور
ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى ... رضوى على أيدي الرجال يسير
يقول: ما كنت أظن أن النجوم تغور في الثرى، أي تغيب، حتى رأيت تواريك في القبر، وما كنت أرجو قبل رؤيتك على النعش، أن الجبل يسير على أيدي الرجال.
خرجوا به ولكل باكٍ خلفه ... صعقات موسى يوم دك الطور
يقول: خرجوا به إلى القبر، والباكين كل له غشيانٌ كغشيان موسى ﵇، يوم دك الطور، أي أزيل وسوى به الأرض، وهو من قوله تعالى " وخر موسى صعقًا ".
والشمس في كبد السماء مريضةٌ ... والأرض واجفةٌ تكاد تمور
مرض الشمس: عبارة عن قلة ضوئها، وعن كسوفها، وكأن الشمس في تلك الحالة مرتجة في وسط السماء، والأرض مضطربة. تكاد الأرض تمور أي تزلزل وتدور، وإنما قال في وسط السماء؛ لأن الشمس في تلك الحالة تكون أضوأ ما تكون.
وحفيف أجنحة الملائك حوله ... وعيون أهل اللاذقية صور
صور: جمع أصور، وصور: أي مائلة.
يقول: حضرت الملائكة جنازته، فكأن حوله أصوات أجنحتهم عند سيرهم مع الجنازة، وعيون أهل هذه البلدة مائلة نحو جنازته تحسرًا عليه وعلى مفارقته.
حتى أتوا جدثًا كأن ضريحه ... في قلب كل موحدٍ محفور
1 / 60