قطعتهم: مبالغة في القطع.
يقول: جعلت العداة قطعًا؛ غيظًا وحسدًا عليك، حتى أراهم حسدهم ما بهم من التقطع والذلة والنقص والمرض وتغير اللون، فتقطعوا حسدًا لما فيك من الفضل، وأنت لا تحسد أحدًا لأنك قد جمعت الفضائل الكلية، والحسد من دأب الناقصين، فأنت تحسد ولا تحسد أحدًا.
حتى انثنوا ولو ان حر قلوبهم ... في قلب هاجرةٍ لذاب الجلمد
انثنوا: أي رجعوا. والجلمد: الحجر الصلب.
يقول: تقطعوا حسدًا حتى رجعوا، وفي قلوبهم من الحر حسدًا وكمدًا؛ ما لو كان ذلك الحر في قلب هاجرة النهار، لذاب بحرارتها الحجر الصلب، وجعل للهاجرة قلبًا لما ذكر قلوبهم لازدواج الكلام.
نظر العلوج فلم يروا من حولهم ... لما رأوك وقيل: هذا السيد
العلج: أصله حمار الوحش، وجمعه علوج. والمراد به: الكفار من أهل الروم.
يقول: لما رأوك الحساد دهشوا، وأظلمت الدنيا عليهم فزعًا منك، واستصغروا من حولهم من العساكر، استعظامًا لك من هيبتك، حتى أنهم لم يروا من حولهم من الخيل والحشم لاشتغالهم برؤيتك، ولأنك فقتهم حسنًا وقيل لهم: هذا السيد.
بقيت جموعهم كأنك كلها ... وبقيت بينهم كأنك مفرد
يقول: لقيت جموع أولئك كأنك بوحدتك جملتهم، لموازنتك إياهم، وبقيت أنت بينهم مفردًا، لا نظير لك. وهذا تأكيد للمصراع الأول.
لهفان يستوبي بك الغضب الورى ... لو لم ينهنهك الحجا والسؤدد
لهفان: نصب على الحال من الغضب، وقيل بقيت لهفان، ويستوبى: من الوباء، وأصله الهمز فأبدله ضرورة، ومعناه: يفنى ويهلك، والغضب: فاعل يستوبى، والورى مفعوله ويجوز: أن يكون يستوبى: أي يوبى الغضب الذي بك. والباء في بك زائدة والورى: فاعله، والغضب مفعوله.
يقول: غضبك يكاد يهلك الناس، لو لم يكفك العقل والسؤدد، فبقيت لهفان بين الغضب المهلك، وبين العقل والسؤدد.
كن حيث شئت تسر إليك ركابنا ... فالأرض واحدةٌ وأنت الأوحد
أي كن في أي مكان شئت، فليس لنا، ولا لركابنا مسرى إلا إليك؛ لأن الأرض واحدة، وأنت مالكها. وإنك أنت أوحد، لا نظير لك ولا شبيه.
وصن الحسام ولا تذله فإنه ... يشكو يمينك والجماجم تشهد
لا تذله: أي لا تذله، فخفف.
يقول: صن سيفك واغمده ولا تذله فتفنيه من كثرة استعماله فإنه يفنى الحسام وتشكو يمينك، من كثرة ضرب الجماجم: وهي عظام الرءوس تشهد له بذلك، ومن حق السيف عليك أن تصونه ولا تهينه وهذا نظير قوله:
شم ما االتضيت فقد تركت ذبابة ... قطعًا وقد ترك العباد جذاذا
يبس النجيع عليه فهو مجردٌ ... من غمده فكأنما هو مغمد
النجيع: دم الجوف. وقيل: الدم الطري.
يقول: قد جف الدم على حسامك وهو مجرد عن غمده، لكنه من الدم اليابس عليه كأنه مغمد.
ريان لو قذف الذي أسقيته ... لجرى من المهجات بحرٌ مزبد
ريان: ضد عطشًا، وهو نصب على الحال. والمهجة: دم القلب.
يقول: هذا السيف ريان من الدماء؛ لكثرة ما أسقيته من دماء القتلى، فلو رمى ما أسقيته من الدماء لجرى منها بحرٌ، يعلوه الزبد لغزارته.
ما شاركته منيةٌ في مهجةٍ ... إلا وشفرته على يدها يد
التذكير الذي في البيت: للحسام، والتأنيث: للمنية. وشفرة السيف: حده.
يقول: ما شاركت المنية هذا السيف في نفس من الأنفس، إلا وحده على يد المنية يدٌ فتكون يده فوق يدها. ومثله لأبي تمام قوله:
مطلٌ على الآجال حتى كأنه ... لصرف المنايا في النفوس مشارك
غير أن المتنبي فضل السيف على المنية، وأبو تمام سوى بينهما.
وقيل: إنما شاركته المنية فزعًا منه؛ لأن السيف يدٌ على يدها، يمنعها ويعوقها.
إن الرزايا والعطايا والقنا ... حلفاء طيٍّ غوروا أو أنجدوا
حلفاء: جمع حليف، وهو الجار المحالف على الولاية، وطيٍّ: أراد طيئًا فخفف.
يقول: إن المصيبات، والعطيات، والرماح حلفاء طيىء، غير مفارقة عنهم، أينما حلوا نجدًا أو غورًا، سهلًا أو جبلًا.
صح: يال جلهمة. تذرك، وإنما ... أشفار عينك ذابلٌ ومهند
جلهمة: قبيلة المدوح. والأشفار: يريد بها الأهداب هاهنا.
يقول: ناد أيها الممدوح وقل: يال جلهمة، تدرك، وقد أحاطوا بك برماحهم وسيوفهم، حتى كأن أشفار عينك سيف ورمح، لكثرة سيوفهم ورماحهم.
1 / 43