وقيل إن معناه: إن هؤلاء لي ولغيري، ممن لا يقصدهم، ليس إلا العيس التي يركبونها والمفاوز التي يقطعونها، إذ لا يحصلون بقصدهم غيره إلا على الطلب، وأنا قد ظفرت بالمطلوب بقصدي إياهم.
من في الأنام من الكرام ولا تقل ... من فيك شأمٌ سوى شجاعٍ يقصد؟
من: للاستفهام، والمراد: الإنكار، وقوله: شأم: أي يا شأم، ومعناه: من في الأنام من الكرام سوى شجاع، ولا تقل من فيك يا شأم. يعني: أنه المقصود في الدنيا للخلق، فهو واحد الناس في الناس، لا واحد الشأم وبعض من الدنيا.
أعطى فقلت: لجوده ما يقتنى ... وسطًا فقلت: لسيفه ما يولد
يقتنى: أي يدخر. وسطًا: من السطوة، وهي القهر، والغلبة، والحملة في الحرب وما بمعنى: الذي. يقول: بالغ الممدوح في الإعطاء حتى قلت: إن ما يقتنيه الناس من الأموال لجوده ليفرقها، وبالغ في سطواته حتى قلت: إن لسيفه كل ما يولد.
وتحيرت فيه الصفات لأنها ... ألفت طرائقه عليها تبعد
يقول: صارت صفات الواصفين متحيرة فيه لأنها يعني الصفات وجدت طرائق هذا الممدوح بعيدة عليها، ثم وصف بعض طرائقه فقال:
في كل معتركٍ كلىً مفريةٌ ... يذممن منه ما الأسنة تحمد
الكلى: جمع الكلية. والمفرية: المقطوعة. ويذممن: فعل الكلى وتحمد: فعل الأسنة.
يقول: إن من طرائق الممدوح أنه شجاع، وله في كل موضع حرب كلى مقطوعة للقتلى، تذم الكلى المفرية من فعله، ما تحمد أسنة الرماح. وذلك الشيء هو الكلى.
نقمٌ على نقم الزمان تصبها ... نعمٌ على النعم التي لا تجحد
نقم الزمان: نوائبه.
يقول: هذا الممدوح نقمة مصبوبة على نقم الزمان، وهي في الحقيقة نعم على النعم التي أنعم بها على الناس. يعني: إن الممدوح يدفع نوائب الزمان، فهو نعمة عليها وتلك نعمة على الناس، لأنهم يأمنون بها نوائب الدهر وهي نعمة متتابعة، مترادفة ولا يمكن أحد أن يجحدها لكثرتها وشهرتها.
في شأنه ولسانه وبنانه ... وجنانه عجبٌ لمن يتفقد
يقول: في كل واحد من هذه الأربعة من الممدوح عجب لمن تأمله! ففي شأنه: أعجب عظمًا، وكبر همة، وفي لسانه: فصاحة، وفي بنانه: كتابة وسخاء، وضربًا وطعنًا، وفي جنانه: قوة ونجدة وذكاء وشجاعة، وعلمًا وفطنة وغير ذلك.
أسدٌ، دم الأسد الهزبر خضابه ... موتٌ، فريص الموت منه يرعد
الهزبر: من صفات الأسد، ويريد به المبالغة في الشدة. والفريص: بالفاء جمع فريصة، وهي لحمة تحت الكتف.
يقول: هو أسد عادته قتل الأسود، فدم الأسد القوي خضابه الذي يتخضب به عند قتله إياه، وهو أيضًا موت، لإفنائه الأعداء، وترعد منه: أي الموت يفزع منه.
ما منبجٌ مذ غبت إلا مقلةٌ ... سهدت ووجهك نومها والإثمد
الإثمد: ما يجعل في العين مما ينفع.
يقول: ما هذه البلدة بفراقك إلا كمقلة سهرت شوقًا إليك فغاب عنها نومها وكحلها، فلما عدت إليها نامت فرحًا بقدومك؛ فعاد إليها نومها وكحلها ووجدت روحًا وسكونًا.
فالليل حين قدمت فيها أبيضٌ ... والصبح منذ رحلت عنها أسود
يقول: إن الليل بقدومك هذه البلدة صار ضياء، كما كان ضوء النهار ظلامًا عند غيبتك عنها، وهذا المعنى مأخوذ من قول أبي تمام:
وكانت وليس الصبح فيها بأبيضٍ ... فأمست وليس الليل فيها بأسود
ما زلت تدنو وهي تعلو عزةً ... حتى توارى في ثراها الفرقد
كل تاء تأنيث في البيت، وفيما قبله، وفيما بعده: كناية عن منبج، لأجل البقعة، والبلدة.
يقول: ما زلت تقرب منها وهي ترتفع تشرفًا بك، واعتزازًا بمكانك، حتى علت السماء فتوارى الفرقد في ترابها وبقعتها.
أرضٌ لها شرفٌ سواها مثلها ... لو كان مثلك في سواها يوجد
يريد أن علوها لمكان الممدوح فيها.
فقال: إن هذه الأرض بلدة شريفة. سواها من الأرضين مثلها، لو كان مثلك موجودًا فيها.
أبدى العداة بك السرور كأنهم ... فرحوا وعندهم المقيم المقعد
بك: أي بسببك.
يقول: إنهم أظهروا السرور بك، وبقدومك، وفي قلوبهم من كراهة ذلك من الخوف والغم ما أقامهم وأقعدهم، فأضمروا العداوة في الباطن، وإن كانوا على توددٍ في الظاهر وعندهم من الغم المقيم المقعد.
قطعتهم حسدًا أراهم ما بهم ... فتقطعوا حسدًا لمن لا يحسد
1 / 42