أحييتها والدموع تنجدني ... شئونها والظلام ينجدها
إحياء الليل: هو السهر، والشئون: مجاري الدموع، والإنجاد: الإمداد والإعانة، والهاء في أحييتها لليالي، وفي شئونها للدموع، وأضافها إليها لأنها مجاريها، والهاء في ينجدها قيل: ترجع إلى الليالي.
ومعناه: أحييت الليالي على حال تنجدني شئون الدموع فيها على ما كنت فيه من طول الليل الذي حصل بالغم والسهر؛ لأن من شأن الدموع أن تخفف على المحزون، وكأن الظلام يعين الليالي ويمدها ظلمةً أكثر من ظلمتها، ويزيدها طولًا إلى طولها، لانفراده به وعدم مشاهدته ما يتشاغل به عما هو فيه من الغم كما قال الشاعر:
بلى إن للعينين في الصبح راحةً ... لطرحهما طرفيهما على كل مطرح
وقيل: إن الهاء في ينجدها للدموع.
ومعناه: أن الدموع كانت تعينني لما فيها من الراحة، والظلام كان يعين الدموع، وكلما ازداد الليل ظلمةً ازداد الغم.
لا ناقتي تقبل الرديف ولا ... بالسوط يوم الرهان أجهدها
أجهدها: من جهدت الناقة إذا أشققت عليها في الحمل والركوب والرهان: المراهنة في مسابقة الخيل. وأراد بالناقة: النعل وأشار إلى أنه أحيا هذه الليالي وهو سائرٌ راجل، وجعله نعله ناقته من قول النبي ﷺ: " المنتعل راكبٌ " ثم بين مخالفته حالها بحال الناقة من وجهين: أحدهما أنها لا تقبل الرديف ولا تسع غير رجله، الثاني أنها لا تجهد بالسوط يوم المراهنة؛ لأنه ليس لها فعل في السباق، ولا سرعة ولا إبطاء، ثم زاد في الدلالة على المخالفة فقال:
شراكها كورها ومشفرها ... زمامها والشسوع مقودها
الكور: الرحل، والمشفر: الشفة، والمقود: الحبل يقاد به الناقة، والزمام: السير المفتول.
شبه نعله بالناقة، وشراكها بالكور؛ لأنه يعلو ظهر الناقة، كالشراك يعلو النعل، وهو السير المعترض على القدم المشدود إلى جانبي النعلن والزمام: هو السير المشدود جانب منه إلى الشراك، وجانب إلى الشسع، والشسع: السير الذي يكون بين الأصبعين، فشبه كل آلة من النعل بشيءٍ من آلات الناقة.
أشد عصف الرياح يسبقه ... تحتي من خطوها تأيدها
عصف الرياح: شدة هبوبها. والهاء، في يسبقه: يرجع إلى العصف المضاف إلى الرياح، والتأيد: قوة الخطو، من الأيد وهو القوة.
يقول: قوة خطوها تحتي تسبق أشد عصف الرياح لأنها تبقى بعدها، وتفتر الرياح، وعنى بذلك قوة نفسه وسرعة مشيه.
وقيل: أراد بالتأيد: التثاقل والتثبت، كأنه جعل أهون سيره على النعل فوق أشد الهبوب للرياح مبالغة وكأنه قال: تثبت خطوها يسبق أشد الرياح فيصف قوته.
في مثل ظهر المجن متصلٍ ... بمثل بطن المجن قرددها
القردد: الأرض الصلبة. وقيل: ما انخفض من الأرض الناتئة.
يصف طريقه إلى الممدوح، وشبه ما ارتفع منه بظهر المجن، وما انخفض منه ببطن الترس، وبين أن بعض طريقه كان صعودًا وبعضه كان هبوطًا وذلك دلالة على فضل المشقة.
فيقول: تأيد خطوها، يسبق أشد هبوب الرياح، في طريقٍ مثل ظهر المجن ارتفاعًا، متصل بطريق مثل بطن المجن انخفاضًا، والأصل في هذا التشبيه قول الأعشى:
وبلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ ... للجن بالليل في حافاتها زجل
وقيل: إنه شبه ابتداء سفره إليه بظهر المجن، إشارة إلى أنه كان موحشًا، وانتهاءه ببطنه، لما أدى إلى لقاء الممدوح، إشارة إلى أنه كان مؤنسًا؛ لأن ظهر المجن يلي العدو وبطنه يلي نفس من حمله، والأول أقوى. ويجوز في متصلٍ: الرفع على الابتداء أو خبره، والجر على أنه صفة لمثل، أو بدل له.
مرتمياتٌٍ بنا إلى ابن عبي ... د الله غيطانها وفدفدها
روى: في مرتمياتٍ: الرفع على أن يكون خبرًا لغيطانها وفدفدها، وتكون هي مبتدأ، وروى بالكسر فتكون في موضع النصب، على أن تكون حالًا سادةً مسد خبر المبتدأ. والغيطان: جمع الغائط وهو المطمئن من الأرض، والفدفد: ما نشز منها.
يقول: رمت بنا هذه الغيطان والفدفد إلى ابن عبيد الله: الذي هو الممدوح، يذكر مشقته ليكون أقرب إلى الإكرام.
إلى فتىً يصدر الرماح وقد ... أنهلها في القلوب موردها
1 / 4