وعلى هذا القياس، لو أردنا أن نستقي أخبارا صحيحة عن الحياة المصرية القديمة، وكيفية طرق المعيشة فيها وأحوال الناس ووسائل معيشتهم، ينبغي لنا أن نذهب إلى عاصمتها، ثم نمعن النظر فيما عساه أن يقع تحت بصرنا.
وعلى ذلك، افرض أننا لم نعد من سكان بريطانيا، وأننا لسنا من أبناء القرن العشرين، بل أننا رجعنا إلى الماضي البعيد، وأننا من أحياء سنة 1300 قبل الميلاد، أي قبل أيام المسيح، وقبل عهد موسى أيضا. •••
وصلنا من «صور» في سفينة فرعونية محملة بأنواع مختلفة من الملابس والأقمشة، وأوعية من برنز ونحاس، على أمل بيعها في أسواق طيبة، أعظم مدينة في مصر.
لقد رست السفينة على شاطئ البحر، على مقربة من مصب النيل، بعد أن كنا هالكين - لا محالة - في عاصفة هائلة لم ننج منها إلا بعد جهد جهيد.
وكان معنا على السفينة دليل مصري، وقد وقف على منحنى السفينة يصيح بأعلى صوته؛ ليعين الاتجاه الذي يجب أن تسير فيه السفينة، وكان مديرا المجدافين الكبيرين الملصقين بجانبي السفينة عند مؤخرها- يوجهان السفينة تبعا لتعاليمه.
وكانت الريح الشمالية تهب بقوة وعنف، وتدفع السفينة بقوة، حتى سارت بسرعة رغما من أمواج النيل الثقيلة التي تسير في اتجاه مضاد لنا، تبعا لانحدار النهر صوب البحر.
ولذلك فقد ترك العمال المجاديف بعد أن انتهكت قواهم، وسرنا جهة الجنوب بعد أن أطلقنا الشراع في الهواء. وكنا نرى على جانبي النيل أراضي واسعة؛ بعضها سهل لين، تنمو بها نباتات مختلفة، والبعض تكتنفه المستنقعات التي تنمو على حافاتها نباتات شيطانية.
وكلما تقدمت بنا السفينة صوب الجنوب كانت السهول الزراعية تضيق شيئا فشيئا، وكنا قد شارفنا على مؤخر الدلتا، بل أخذنا نسير في وادي النيل.
ولقد مررنا على مدينة عظيمة تناطح معابدها العالية السماء الزرقاء، وعلى ساريات المعابد تتموج الرايات، والمسلات منتثرة هنا وهناك. وقد أخبرنا دليلنا بأن هذه المدينة هي ممفيس - وهي من أقدم مدن مصر - وكانت عاصمتها يوما من الأيام. وعلى مقربة من ممفيس شاهدنا الأهرامات الثلاثة تظهر كأنها جبال عالية، وقد علمنا من دليلنا بأن كل هذه الكتل الحجرية - التي لا مثيل لها في الضخامة والعظمة - هي مقابر الملوك الأقدمين، وأن ما يحيط بها من أهرامات - أصغر حجما وأقل خطرا - هي مقابر بعض أمراء وعظماء الدولة.
ولما لم تكن ممفيس هي الغرض من رحلتنا، فقد واصلنا السير صوب الجنوب، وانقضت عدة أيام والسفينة تمخر بنا عباب الماء دون انقطاع.
অজানা পৃষ্ঠা