১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
জনগুলি
وتدخل عمر بك الأرنئودي، وصالح قوج (قوش) لإنهاء الفتنة، وتوليا رجب آغا بحمايتهما، فحضر عمر بك كبير الأرنئود الساكن ببولاق ليلة 23 نوفمبر، وكذلك صالح قوج إلى رجب آغا المذكور، وأركباه وأخذاه إلى بولاق، وبطل الحرب بينهم، ورفعوا المتاريس في صبحها، وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها، وإزعاج أهلها، ومات فيما بينهم أنفار قليلة، وكذلك مات أناس وانجرح أناس، من أهل البلد.» وفي 26 نوفمبر سافر رجب آغا، وتخلف عنه كثير من عساكره وأتباعه، وذهب من ناحية دمياط وطرد رجب آغا من البلاد نهائيا.
وعمد الباشا إلى التخلص رويدا رويدا من سائر متزعمي العصيان والمحرضين عليه، أولئك الذين لم يدر في ذهنهم قط أن يسودوا عليهم سيدا يأتمرون بأمره، ويطيعون نواهيه، بل اعتقدوا أن من حقهم أن يختاروا الزعيم الذي يرضخ لأهوائهم، ويخضع لنزواتهم، وصار إطلاق الرصاص والعصيان ديدنهم كلما واتتهم الفرصة للإفصاح عن تذمرهم، وإعلان غضبهم وسخطهم على حكومة الباشا، ولما لم يكن مركز محمد علي قد توطد بالدرجة التي تجعله قادرا على الاقتصاص من الثوار بالطرق العادية المألوفة خشية أن يؤدي إنزال العقوبة بالمحرضين على العصيان إلى هياج الجنود وسريان روح التمرد بين سائر صفوف الجيش، وثورة الجيش بأسره، فقد لجأ الباشا إلى وسائل صامتة للخلاص منهم، فجرى إعدام كثيرين من قادة العصيان بالقلعة سرا، واتخذ من واجب تحصين الإسكندرية، وسائر الثغور والمواقع في الشاطئ الشمالي، ذريعة لإبعاد الآخرين من القاهرة، وتوزيعهم على مختلف الحاميات، بحيث لا تظل قوات كبيرة من الجيش مجتمعة في مكان واحد، وبحيث ينالون علائفهم ومرتباتهم من الأماكن التي يرسلون إليها، فيخف كذلك عبء نفقاتهم عن خزانته، فضلا عن أن توزيعهم هذا لا ينال من قوته شيئا، لبقاء الجيش قائما، وفي ديسمبر من السنة نفسها قطع الباشا رواتب طوائف الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم.
ولم يظهر أثر هذه الإجراءات التي اتخذها محمد علي لتطويع الجند إلا شيئا فشيئا، فقد بقيت بطبيعة الحال طائفة من الجند بالقاهرة، للدفاع عنها، واستمرت اعتداءات هؤلاء على الأهلين، فلا يمر يوم دون وقوع اعتداءات جديدة، حتى لاحظ الوكلاء الفرنسيون أن أصحاب الأسمال البالية هم الذين في وسعهم وحدهم أن يشعروا بأي أمن وطمأنينة عند سيرهم في شوارع العاصمة. (3-2) حادث ساحرة دمنهور
وكان من العوامل التي ساعدت على زيادة الفوضى بين طوائف الجند، اعتقاد هؤلاء في المشعوذين والسحرة، يحتفون بهم ويسيرون في ركابهم؛ تكريما لهم وتلمسا للبركة منهم، في مواكب ذات جلبة وضوضاء، يطوفون بهم في شوارع القاهرة، ويعتدون على القاهريين، ويسلبون الحوانيت والدكاكين. وكان أخطر من ظهر من هؤلاء المشعوذين الذين اعتقد فيهم كثيرون من الأرنئود على وجه الخصوص، امرأة من نواحي دمنهور ادعت أن لها صلة مباشرة بعالم الأرواح، يخاطبها روح يسمى الشيخ علي، ويجيب على ما يسأله السائلون بواسطتها، وفي وسع هؤلاء كذلك أن يلمسوا يده في جلسات خاصة في ظلام الليل، واشتهر أمر هذه الساحرة، وصار لها آلاف من المؤمنين بها، ومن بينهم عدد عظيم من الأرنئود، فصارت تتجول في شوارع القاهرة على حصان، يحيط بها الأرنئود حراسا لها. وخشي الباشا أن تكون هذه المرأة أداة في يد أعدائه، يستخدمونها لتأليب الجند، بل وتحريك الشعب نفسه على الثورة، فسعى جهده لكشف خديعتها وإظهار كذب ادعائها، والتخلص منها بصورة لا تستفز جنده الأرنئود. فاستدعى الباشا إليه أربعة من الحواة، ووعدهم بمبلغ من المال إذا استطاعوا إحضار الساحرة، فوجدها هؤلاء عند باش آغاة التبديل، أو رئيس خفراء الحراسة الليلية، يحيط بها المعجبون من الجند وغيرهم، فلما أرادوا القبض عليها انتصر لها الجند وهددوا الحواة وطردوهم بدعوى أن البيت سوف يسقط على رءوسهم إذا مس أحد بشر شخص هذه المرأة المقدسة. وتزايد خطرها يوما بعد آخر، وصار لا ندحة عن إنهاء مسألة هذه الساحرة بكل سرعة، فأمر الباشا رئيس الشرطة بإحضارها؛ حتى يظهر كغيره إعجابه بفعالها الخارقة، واستقبلها الباشا أمام سرايه في ميدان الأزبكية قبل الغروب، وهو جالس تحت شجرة كبيرة من الجميز يدخن نارجيلته بالقرب من ساقية، يحيط به المعجبون بها والمؤمنون بسحرها، ورجاها إحضار الروح، ووقف جمهور كبير يشهد ما يجري بين الباشا وبينها. ولما كان الليل لم يرخ سدوله بعد، والمكان خلاء، فقد اعتذرت الساحرة بأن اتصال الروح لا يحدث إلا في الظلام، وعلاوة على ذلك، فقد ذهب الشيخ علي للصلاة في جامع الإمام الحسين، وأنه سيعود بعد قليل، فدخل الباشا إلى قصره، وتبعه كبار الضباط ورؤساء الجند لمشاهدة المعجزة، فلما جاء الليل جلس الباشا وحوله هؤلاء الرؤساء، ويجاوره طبيبه الخاص «بوزاري» وترجمانه؛ لأنه لا يتكلم العربية، وادعت الساحرة أنها تجهل التركية، و«بوزاري» يعرف اللغتين، فأطفئت الأنوار، وأجاب الشيخ علي على الأسئلة التي وجهت إليه في صوت مكبوت، وبدا كأنما الباشا قد غلب على أمره، ولكنه لم يلبث أن طلب أن يقبل يد الروح، وكان بعد لأي وعناء أن رضي الشيخ علي أن يمد أطراف أصابعه حتى يقبلها الباشا، فقبض عليها بشدة وأحضرت الأضواء، واتضح أن اليد هي يد الساحرة ذاتها، التي ثبت أنها ذات قدرة على إخراج الأصوات من بطنها، وقرر الباشا إغراقها في النيل فورا، فقام صخب وقامت ضجة حتى شعر الباشا بالخوف لحظة، ولكن سرعة بديهته وشجاعته أنقذتا الموقف، فقال: «لا شك في أن هذه المرأة يمتلكها روح ذو قدرة خارقة، وهذا الروح لن يدعها تهلك، أما إذا كان لا وجود لهذا الروح أصلا، واتضح أنها كانت تخدع الناس وتغشهم، فإنها سوف تغرق.» وأمام هذا المنطق القوي إذا، رضي المعارضون بأخذها إلى النيل؛ حيث ألقيت الساحرة به، وانتظروا - بعض الوقت - خروجها من النهر، ولكن دون جدوى، فانصرفوا لشأنهم.
على أنه كان من أثر ما ظهر من تصميم محمد علي، على ردع حركات العصيان، وأخذه جنده بالشدة، للقضاء على عوامل الفوضى واختلال النظام في جيشه، أن فر كثيرون من الصفوف، وقصدوا إلى الأرنئودي الثائر الآخر ياسين بك، يعملون تحت لوائه، وكان خطر هذا قد أخذ يستفحل منذ حوادث عصيانه الأخيرة والتي ذكرناها، ووجب على الباشا القضاء على حركته بكل وسيلة. (3-3) نفي ياسين بك الأرنئودي
فقد استفحل شر ياسين بك وأخذ يعيث فسادا في أقاليم مصر الوسطى ، وانضم إليه كثيرون من رؤساء العثمنلي والأرنئود الذين أصاب كبرياءهم تصميم الباشا على جمع أسباب السلطة في يده، كما فر إليه كثيرون من الجند؛ لنقمتهم - كما ذكرنا - على النظام الذي يريد الباشا إدخاله في الجيش، أضف إلى هذا أن العربان الذين من دأبهم انتهاز الفرص السانحة للسلب والنهب، سرعان ما صاروا يتوافدون على معسكره في أعداد عظيمة واجتمع لدى ياسين بك من القوة ما جعله قادرا على إبراز جيش في الميدان يضارع في أعداده وسلاحه ما لدى محمد علي نفسه من مشاة، وداعب الأمل ياسين بك في إمكان انتزاع الباشوية من محمد علي، ولا جدال في أنه كان في وسعه أن يفعل ذلك، لو أنه أوتي إلى جانب أطماعه هذه وقدرته على النضال في جلد ومثابرة - وقد شهد المعاصرون له بالقدرة على الكفاح القوي - شيئا من الحكمة وبعد النظر، فعرف كيف ينحاز بالقوات التي لديه لإحدى القوتين المتناضلتين وقتئذ: محمد علي أو البكوات المماليك، فيسير في نفس الطريق الذي سار فيه الباشا نفسه، في أوائل عهده، ومنذ أن صح عزمه على الوصول إلى الحكم والولاية، حتى إذا استعان بإحدى هاتين القوتين في القضاء على جماعة من خصومه، استطاع منازلة الجماعة الأخرى، وكان من الواضح أن من صالحه الاتحاد مع البكوات المماليك إذا شاء القضاء على حكومة محمد علي؛ لأن انضمام فرسانهم إلى جيشه - لا شك - يجعل كفته الراجحة في أية معارك يخوض غمارها مع الباشا.
ولكن ياسين بك كان مغامرا تنقصه الحنكة السياسية، عجز عن ابتداع سياسة أو تدبير خطة محكمة للوصول إلى غايته، واعتمد في جذب الجند إليه على كرمه وسخائه معهم، وهو الذي تسنى له أن يجمع ثروة طائلة بأعمال السلب والنهب التي انغمس فيها، فأجزل لجنده العطاء، وكان مرحا بطبعه، وذا شخصية محببة للنفوس، كثير التسامح مع جنده، حتى أحبه هؤلاء، ورضوا بالعمل تحت لوائه وتزايدت أعداد الوافدين منهم إلى معسكره يوما بعد يوم، ولكنه أخطأ خطأ جسيما عندما اعتبر أعداء له، كل من رفضوا الانضواء تحت لوائه، وبدلا من الاتحاد مع البكوات الذين بالصعيد، جلب سخطهم عليه، واستثار عداءهم ضده بسبب مضي عصاباته في النهب والسلب والتخريب، مما أثار عليه أسياد الصعيد الثلاثة: إبراهيم بك، وعثمان بك حسن، وشاهين بك المرادي خليفة عثمان البرديسي، فاتحدوا ضده وقرروا مهاجمته.
فقد انتهز في سبتمبر وأكتوبر 1807 وقوع الخلاف بين البكوات، بسبب إغارة سليمان بك البواب على بعض القرى التابعة لشاهين بك المرادي ونهبها، فاستولى ياسين على بني سويف والمنيا؛ حيث تحصن بها، ولم يتورع أثناء مناوشاته مع المماليك عن مهاجمة ملوي وأخذ مبلغ كبير من المال من أهلها، بالرغم من أنها تتبع محمد بك المنفوخ المرادي حامي ياسين بك نفسه. وفي نوفمبر كان لا يزال ياسين متحصنا بالمنيا، وفي مناوشات مستمرة مع البكوات من الألفية والمرادية على السواء، ويتخذ العدة لإخضاع إقليم الفيوم كذلك.
وكان البكوات وقتئذ يتفاوضون من أجل الصلح مع الباشا - على نحو ما سيجيء ذكره في موضعه - وكان شاهين بك الألفي يعيش مستأمنا في الجيزة والقاهرة، ومنذ أن صالحه الباشا في ديسمبر 1807، فاستعان محمد علي به في استثارة أسياد الصعيد لقتال ياسين، وكان هؤلاء يسخطون عليه سخطا عظيما، فأوقعوا به هزيمة كبيرة بالقرب من منفلوط في يناير 1808، ونهبوا حملته ومتاعه وانسحب في حوالي المائتين فحسب إلى المنيا؛ حيث تحصن بها، وحضر أبوه إلى القاهرة مستسلما. وشرع محمد علي يجهز تجريدة لمطاردته من حوالي السبعمائة أو الثمانمائة، بقيادة بونابرتة الخازندار (أحمد آغا)، وتقدم التجريدة سليمان بك الألفي من رجال شاهين الألفي في قوة أخرى، وانضم بكوات الصعيد إلى جيش حسن باشا طاهر الأرنئودي للقضاء على ياسين، فهاجموا المنيا من الناحية القبلية، بينما صوب الأرنئود مدافعهم عليها من الناحية البحرية. وكتب «سانت مارسيل» إلى حكومته في أول فبراير 1808، أن هذه الحملة عند انضمامها إلى قوات المماليك بالصعيد سوف تغدو قوة عظيمة في وسعها طرد ياسين بك من المنيا والسيطرة عليها، «ولا جدال في أن إخضاع هذا الثائر - الذي أتيح له خلق سلطة ثالثة في مصر أشد خطرا مما قد تبلغه سلطة الباشا، أو سلطة البكوات المماليك؛ لأن أكثرية العربان منحازون إليه - من شأنه بسط الهدوء، وفتح المواصلات لاستئناف النشاط التجاري الذي تعطل من مدة طويلة بين الوجهين البحري والقبلي.»
ويصف الشيخ الجبرتي ما وقع بعد خروج هذه التجريدة، فيقول في حوادث يوم 10 فبراير 1808: «ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنيا، ونزل بفنائها، خرج إليه ياسين بك بجموعه، وعساكره وعربانه، فوقع بينهما وقعة عظيمة، وانهزم ياسين بك وولى هاربا إلى المنيا، فتبعه سليمان بك في قلة، وعدى الخندق خلفه، فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا، بعد أن نهب متاع ياسين بك وجماله وأثقاله، وشتت جموعه، وانحصر هو وعربانه وما بقي منهم بداخل المنيا، وكانت الواقعة (يوم 4 فبراير 1808). فلما ورد الخبر بذلك على الباشا، أظهر أنه اغتم على سليمان بك، وتأسف على موته، وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة، وفي بيوتهم، وطفق الباشا يلوم على جراءة المصريين (البكوات المماليك) وإقدامهم، وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه، ويلقى بنفسه من داخل الخندق، ويقول أنا أرسلت إليه أحذره، وأقول له أن ينتظر بونابرتة الخازندار، ويراسل ياسين بك، ويطلعه على ما بيده من المراسيم، فإذا أبى وخالف ما في ضمنها، فعند ذلك يجتمعون على حربه، وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الأبنية، فلم يستمع لما قلت، وأغرى بنفسه، وأيضا ينبغي لكبير العسكر التأخر عن عسكره، فإن الكبير عبارة عن المدبر الرئيسي، وبمصابه تنكسر قلوب قوته، وهؤلاء القوم بخلاف ذلك، يلقون بأنفسهم في المهالك.
অজানা পৃষ্ঠা