১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
জনগুলি
ولم يأبه المشايخ والرؤساء الشعبيون لمصالح الفريق الآخر، من صغار التجار وأرباب الحرف والصناعات الصغيرة، الذين قصمت ظهورهم الضرائب الفادحة والإتاوات المتكررة، فوقع على كاهلهم عبء دفع قسط كبير من المبلغ المطلوب، دون أي ضمان لاستردادهم إياه أو لاستنزاله من الضرائب أو الإتاوات التي تحصل منهم، وهكذا أثبتت المشايخ والرؤساء الشعبيون أنهم لا يعنون إلا بصون مصالحهم الذاتية فحسب.
ومع أن كبار الضباط ورجال الباشا قد اشتركوا مع المشايخ في بحث الأمر، فقد كان من الواضح أن الذي عنى به الباشا وقتئذ، هو وصول مبلغ الألفي كيس إليه ليدفع منه مرتبات الجند حسبما وعد به، كما كان من الواضح أن كبار الضباط إنما يهمهم وصول المال لأيديهم حتى يدفعوه بدورهم للجند؛ ولذلك فقد كان ترتيب توزيع المبلغ على الطوائف والهيئات - وبعد أن دفع رجال دائرة الباشا قسما منه - من شأن المشايخ والرؤساء الشعبيين أنفسهم.
وعلى ذلك فإنه ما إن جرى تحصيل هذا المبلغ، حتى «اجتمع الكثير من أهل الحرف كالصرماتية وأمثالهم، والتجأوا إلى الجامع الأزهر، وأقاموا به ليالي وأياما فلم ينفعهم ذلك، وانبث المعينون بالطلب، وبأيديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص، وعليها حق الطريق، وهم قواسة أتراك وعسكر ودلاة، وقواسة بلدي، ودهي الناس بهذه الداهية في الشهر المبارك، فيكون الإنسان نائما في بيته ومفتكرا في قوت عياله، فيدهمه الطلب، ويأتيه المعين قبل الشروق، فيزعجه ويصرخ عليه، بل ويطلع إلى جهة حريمه، فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح، ويلاطف المعين، ويوعده ويأخذ بخاطره، ويدفع له كراء طريقه المدفوع له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء، فما يفارقه إلا ومعين آخر واصل إليه على النسق المتقدم، وهكذا.» (3) الضرب على أيدي المحرضين (3-1) نفي رجب آغا
وما إن سكنت فتنة الجند، حتى شرع الباشا يعمل بحزم وشدة للضرب على أيدي رؤساء الجند الذين تزعموا هذه الفتنة، وعقوبة الثوار الظاهرين، والمغامرين الذين يحركون القلاقل والاضطرابات؛ ليعيثوا فسادا في القاهرة خصوصا؛ وليسلبوا القاهريين ويعتدوا عليهم، والذين كان وجودهم - كما كتب الوكلاء الفرنسيون في نشرتهم الإخبارية عن هذه الحوادث في نوفمبر من العام نفسه - مصدر خطر لا على سلطانه وحكومته فحسب، بل وعلى حياته هو نفسه كذلك، حتى إذا شاء الاعتماد على ولاء الجيش له، وجب عليه - كما قال هؤلاء - أن يتخذ إجراءات سريعة وحاسمة للتخلص منهم.
وكان واضحا أن ترك الجند يسدرون في غوايتهم، دون وقف اعتداءاتهم على الأهلين، سوف يترتب عليه انعدام الأمن في القاهرة، وإفلات زمام الأمور من يد الباشا في آخر الأمر، ومن المحتمل كثيرا قيام القاهريين بالثورة، صحيح أن الفتنة الأخيرة مرت دون أن يحرك القاهريون ساكنا للانتقام من الأرنئود والدلاة الذين آذوهم في أموالهم وأعراضهم ونفوسهم، وذلك بفضل الإجراءات التي اتخذها عمر مكرم وغيره من المتصدرين، لإغلاق الحوانيت، ومنع تسلح الأهلين، وإلزامهم بالمكوث في بيوتهم، وإغلاق البوابات وحراستها، ولكن الخطر كان كامنا، ولا ضمان لدوام هذا السكون إذا وقعت فتنة أخرى من طراز هذا العصيان والتمرد . ولقد عبر الشيخ الجبرتي عن كراهية الشعب لجند الباشا، فقال: «ولشدة قهر الخلائق منهم، وقبح أفعالهم، تمنوا مجيء الإفرنج من أي جنس كان، وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة، الذين ليس لهم ملة ولا شريعة، ولا طريقة يمشون عليها، فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم، فيزداد حقدهم وعداوتهم، ويقولون أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين؛ لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى، ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد، ولا ينظرون لقبح أفعالهم.»
وكان أخطر المحرضين على التمرد والعصيان، رجب آغا، وكان من الذين انضموا إلى الألفي سابقا وصار أحد قواد مشاته، وقد تقدم ذكر حادث مخامرة رجب آغا على عمر بك الأرنئودي ومقاومته مع ياسين بك في المنيا، وتظاهر بالولاء لمحمد علي بعد ذلك، ولكنه صار يدبر الثورة ضده، وكان من كبار المحرضين على الفتنة الأخيرة، فأصدر الباشا أمرا بعد سكون الفتنة بنفيه، فلم يمتثل رجب آغا لهذا الأمر، وجهر بالعصيان، وكادت تقوم الفتنة من جديد، لولا أن تغلب جند الباشا عليه، وأوذي الأهلون في هذا الحادث كذلك إيذاء بليغا. ويقص الشيخ الجبرتي تفاصيل ما وقع في قوله في حوادث يوم 19 نوفمبر 1807: «قصد الباشا نفي رجب آغا الأرنئودي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر، بعد أن قطع خرجه، وأعطاه علوفته، فامتنع من الخروج، وقال أنا لي عنده خمسين كيسا، ولا أسافر حتى أقبضها، وذلك أنه في حياة الألفي الكبير، اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألفي وينضم إليه، ويتحيل في اغتياله وقتله، فإن فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه، أعطاه خمسين كيسا، فذهب عند الألفي والتجأ إليه، وأظهر أنه راغب في خدمته، وكره الباشا وظلمه، فرحب به وقبله وأكرمه مع التحذر منه، فلما طال به الأمد ولم يتمكن من قصده، ورجع إلى الباشا، فلما أمره بالذهاب الآن أخذ يطالبه بالخمسين كيسا، فامتنع الباشا، وقال: جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله، ولم يخرج من يده فعله، فلا وجه لمطالبته به، واستمر رجب آغا في عناده، وذلك أنهم لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر، بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم، ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ... ثم إنه جمع جيشه إليه من الأرنئود بناحية سكنه، وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق، فأرسل إليه الباشا من يحاربه.
فحضر حسن آغا سر ششمه من ناحية قنطرة باب الخرق، وحضر أيضا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من ناحية المدابغ، وعمل كل منهم متاريس من الجهتين، وتقدموا قليلا حتى قربوا من مساكن الأرنئود تجاه بيت البارودي، فلم يتجاسروا على الإقدام عليهم من الطريق، بل دخلوا من البيوت التي في صفهم، ونقبوا من بيت إلى آخر، حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم، فبغتوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري، ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره، ثم منه إلى منزل علي آغا الشعراوي، ثم إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بأبي دفية، الملاصق لمسكن طائفة من الأرنئود، وعبثوا في الدور وأزعجوا أهلها بقبيح أفعالهم.
فإنهم عندما يدخلون أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة، من غير دستور ولا استئذان، وينقبون من مساكن الحريم العليا، فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى، وتصعد طائفة منهم إلى السطح، وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا، ولا يخفى ما يحصل للنساء من الانزعاج، ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن، ويهربن إلى الحارات الأخرى، مثل حارة قواديس، وناحية حارة عابدين، بظاهر الدور المذكورة، بغاية الخوف والرعب والمشقة، وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش، ويكسرون الصناديق ويأخذون ما فيها، ويأكلون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام.
ولقد شاهدت أثر قبيح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة، وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها، ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم، وبعيدا عنها، أو وزعوه قبل الحادثة، وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة أطلقها بعضهم من النقب الذي نقب عليهم، نفذت من كتفه، وكذلك فعل العساكر التي أتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى.
واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها.
অজানা পৃষ্ঠা