১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

মুহাম্মদ ফুআদ শুকরি d. 1392 AH
140

১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

জনগুলি

وكان واضحا أن ترتيبا أو اتفاقا يضع السلطة الفعلية في يد الألفي صديق الإنجليز وحليفهم إنما يخدم مصالح هؤلاء وحدهم، ويتنافى مع صالح الدولة العثمانية ذاتها في الظروف القائمة، زد على ذلك أن امتناع البكوات عن تنفيذ ما التزموا به في هذا الاتفاق قد أعطى الباب العالي مسوغا لتخليه هو أيضا عن الالتزامات التي ارتبط بها، وحيث إنه قد تبين عجز القبطان باشا عن تنحية محمد علي عن الولاية بالطرق السلمية، وانتفى أي أمل في قيام عمليات عسكرية بالاتحاد بين القبطان والمماليك ضده لتفرق كلمة البكوات وتنافرهم وتحاسدهم وتباغضهم، وصار لذلك لا معدى عن اللجوء إلى القوة وإرسال النجدات الكبيرة إلى القبطان باشا إذا شاء الباب العالي أن يخرج محمد علي والأرنئود من مصر، وهو ما لا يستطيع في ظروفه الراهنة فعله، فقد قر رأي الديوان العثماني لذلك كله على اتباع مألوف عادته والتسليم بالأمر الواقع، وقد وجد الباب العالي في العرائض التي بعث بها المشايخ يبدون فيها تمسكهم بحكومة محمد علي وتفضيلها على حكومة المماليك المزمعة وسيلة يستطيع بها تغطية موقفه وذريعة لرجوعه في قراره السابق وسندا يستند إليه في فسخ اتفاقه مع البكوات المماليك.

وعلى ذلك، فقد أصدر الباب العالي تعليماته إلى القبطان باشا أنه وقد صار الباب الآن أكثر تنورا عن ذي قبل بشأن حقيقة الموقف في مصر، فقد ترك للقبطان مطلق الحرية في تعديل تعليماته الأولى بالصورة التي تكفل في رأيه إنهاء الخلافات التي أنهكت البلاد، واستنفدت قواها، ومعنى هذا أن الباب العالي قد خوله الاتفاق مع محمد علي على أساس تقريره في الولاية، فبدأت من ثم المفاوضات جديا بين محمد علي والقبطان باشا، واشترط الأخير لبقاء محمد علي في الولاية مؤقتا وحتى يأتيه قرار التثبيت من القسطنطينية شروطا ثلاثة: أولها أن يكتب المشايخ عريضة جديدة يؤيدون فيها مطلبهم الذي ذكروه في عريضتيهم السابقتين في 11، 14 يوليو 1806 وهو بقاء محمد علي في الحكم، حتى يبعث بها إلى الديوان العثماني، وكان الغرض من هذا الاشتراط أن يكون قرار تثبيت محمد علي في ولايته منبعثا في ظاهر الأمر عن استجابة السلطان العثماني لرغبات رعاياه فيبدو التسليم حينئذ عملا إراديا هدفه توفير السعادة والرفاهية للشعب بتحقيق مطلبه الذي أفصح عنه أعيانه ومشايخه، وأما ثاني الشروط فهو أن يدفع محمد علي أربعة آلاف كيس نظير تثبيت السلطان له في الولاية، وثالثها أن يبقى ولده إبراهيم رهينة في القسطنطينية حتى يتم دفع المبلغ.

وفي 3 سبتمبر وصل الأفندي المكتوبجي من طرف القبودان إلى بولاق، وفي اليوم التالي اجتمع بالباشا، وحضر الاجتماع أحمد أفندي الدفتردار وسعيد أغا كتخدا البوابين ممثلا الباب العالي في القاهرة، ووافق الباشا على شروط القبطان، وكتب الشيخ الجبرتي تعليقا على الاتفاق الذي تم عندما ذاع خبره في 9 سبتمبر يقول: «وفيه ظهرت فحوى النتيجة القياسية وانعكاس القضية على الألفي والبكوات، وهو أن القبودان ما لم يجد في المصرلية الإسعاف وتحقق ما هم عليه من التنافر والخلاف، وتكررت بينه وبين الفريقين المراسلات والمكاتبات، فعند ذلك استأنف مع محمد علي باشا المصادقة، وعلم أن الأروج له معه الموافقة، فأرسل إليه المكتوبجي، واستوثق منه، والتزم له محمد علي بأضعاف ما وعد به القبطان من الكذابين (أي الألفي والبكوات) معجلا ومؤجلا على ممر السنين، والالتزام بجميع المأموريات والعدول عن المخالفات، فوقع الاتفاق على قدر معلوم، وأرسل القبودان إلى محمد علي باشا يأمره بكتابة عرضحال خلاف الأولين، ويرسله صحبة ولده إلى القسطنطينية على يد القبودان.» ثم استطرد الشيخ يقول: «فعند ذلك لخصوا عرضحال، وختم عليه الأشياخ والاختيارية والوجاقلية، وأرسله صحبة ابنه إبراهيم بك، وأصحب معه هدية حافلة وخيولا وأقمشة هندية وغير ذلك.»

ولقد كان كافيا أن يبدي الباشا رغبته في كتابة هذا العرضحال حتى يستجيب لها المشايخ والاختيارية والوجاقلية، ونقل الشيخ الجبرتي مضمون العرضحال وملخصه على النحو الآتي: «إن محمد علي باشا كافل الإقليم وحافظ ثغوره ومؤمن سبله وقامع المعتدين، وإن الكافة من الخاصة والعامة والرعية راضية بولايته وأحكامه وعدله، والشريعة مقامة في أيامه، ولا يرتضون خلافه لما رأوا فيه من عدم الظلم والرفق بالضعفاء، وأهل القرى والأرياف وعمارها بأهلها ورجوع الشاردين منها في أيام المماليك المصرية المعتدين الذين كانوا يعتدون عليهم ويسلبون أموالهم ومزارعهم ويكلفونهم بأخذ الفرض والكلف الخارجة عن الحد، وأما الآن فجميع أهل القطر المصري آمنون مطمئنون بولاية هذا الوزير، ويرجون من مراحم الدولة العلية أن يبقيه واليا عليهم، ولا يعزله عنهم، لما تحققوه فيه من العدل وإنصاف المظلومين وإيصال الحقوق لأربابها وقمع المفسدين من العربان الذين كانوا يقطعون الطرقات على المسافرين، ويتعدون على أهل القرى، ويأخذون مواشيهم وزرعهم، ويقتلون من يعصي عليهم منهم، وأما الآن فلم يكن شيء من ذلك، وجميع أهل البلاد في غاية من الراحة والأمن برا وبحرا بحسن سياسته وعدله، وامتثاله للأحكام الشرعية، ومحبته للعلماء وأهل الفضائل والإذعان لقولهم ونصحهم.»

ويسترعي النظر في هذا المضمون والملخص ورود عبارات معينة كالقول بأن جميع أهل البلاد في غاية من الراحة والأمن، أو ذكر محبته للعلماء وأهل الفضائل والإذعان لقولهم ونصحهم، مما قد يوحي بأن القاهريين قد تدخلوا في أزمة النقل إلى سالونيك، على غرار ما فعلوا في أزمة انقلاب مايو 1805 السابقة، أو أن مشايخهم ورؤساءهم كان لهم رأي وقول فيها كما كان الحال عند المناداة بولاية محمد علي، ومما قد يوحي بأن الباشا ملتزم بذلك العهد الذي قطعه على نفسه في العام الماضي من حيث استشارة المشايخ والرؤساء القاهريين، أو أنه صار يذعن حقا لقولهم ونصحهم، فقد دلت الحوادث في الفترة القصيرة التي انقضت من وقت اعتلائه الحكم إلى حين بدء هذه الأزمة وخلالها، على أن المشايخ وعمر مكرم وغيره من سائر المتصدرين كانوا أدوات طيعة في يد محمد علي؛ للأسباب التي سبق ذكرها في موضعها، فكانوا هم الذين أذعنوا دائما لقوله هو ونصحه، ولقد كان كذلك من المغالاة وصف أهل القطر المصري ومن بينهم القاهريون بأنهم آمنوا جميعا بولاية محمد علي، أو القول بأن جميع أهل البلاد في غاية من الراحة والأمن، فقد اشترك القاهريون في انقلاب مايو 1805 على أمل أن يتحرروا من المظالم والمغارم والفرض والإتاوات، ورجاء أن ينقطع إيذاء الأجناد لهم، وتقف اعتداءاتهم عليهم، ولكن شيئا من هذين الأمرين لم يحدث، زد على ذلك أن هياج الخواطر في القاهرة كان عظيما أثناء هذه الأزمة بسب اندساس عملاء الألفي والقبطان وجواسيسهما خصوصا بين القاهريين، حتى إن الباشا خشي من وقوع الثورة، فكان هناك معارضون لحكمه، وظل لفيف من القاهريين لا سيما التجار وأهل الحرف الذين شكوا من كساد التجارة وتعذر عليهم التعامل مع البكوات ومماليكهم بسبب الرقابة الصارمة التي فرضها الباشا على هذا النوع من النشاط، ثم أنوا من السلف والإتاوات المحصلة منهم، ظلوا يعطفون على البكوات بالرغم من سوء حكومة هؤلاء لهم، أو يتوقون لعود حكم الفرنسيين، أو يطلبون حكم إحدى الدول الأجنبية الكبيرة الأخرى (إنجلترة) ثم إن ذلك لم يقتصر على القاهريين وحدهم بل شمل غيرهم في رشيد ودسوق وفوة وغيرها.

ولقد نقم كذلك على حكومة محمد علي كثيرون من المشايخ وأهل الفضائل الذين لم يكونوا من بين المتصدرين، وخير من يمثل هؤلاء الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الذي لم يؤمن مطمئنا بولاية هذا الوزير، وأحزنه أن البكوات الذين اعتبرهم مصريين ومن أهل البلاد وأصحاب حق لذلك في تولي الحكم بدلا من الأرنئود وزعيمهم لم ينتفعوا من التجارب القاسية التي مرت بهم، بل ظلوا سادرين في غيهم وعاجزين عن توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم حتى خسروا الملك، ونقم على زملائه المشايخ المتصدرين (مشايخ الوقت) - كما قال عنهم - الذين سلموا قيادهم لمحمد علي، ولم يصدق شيئا مما وعد به هذا، وقطعه مرات كثيرة على نفسه، من حيث طلب الرأي والمشورة من المشايخ، وحاسب هؤلاء بينه وبين نفسه، كما حاسب محمد علي حسابا عسيرا على فعالهم وتمويهاتهم ولم يسعه وهو يسجل مضمون العرضحال الأخير إلا أن يكتب ونحو ذلك من الكلمات التي عنها يسألون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون.

على أن الشيخ الجبرتي وغيره من المتذمرين المتضجرين لم يجرءوا على إعلان سخطهم على حكومة محمد علي عندما جذب الباشا إليه المتصدرين من المشايخ ورؤساء الشعب، فبقيت معارضتهم - إذا اعتبر مجرد الشعور بالسخط وعدم إظهاره وإعلانه معارضة - صامتة ومكبوتة، وقد كان عرفان الباشا بوجودها من أسباب إحكام الرقابة على القاهرة وخروجه للطواف في أنحائها متنكرا تارة وتحيط به مظاهر القوة وسط عساكره تارة أخرى طوال أزمة النقل إلى سالونيك.

ومما يؤيد أن الباشا كان يخشى من هذه المعارضة الصامتة والمكبوتة أنه أجاز لبعض الأفراد المتصدرين فحسب الاطلاع على العرضحال الأخير وقراءته عند مطالبتهم بالتوقيع عليه، وسمح لهؤلاء القلائل بأن يوقعوا هم أنفسهم بأسمائهم، وأما سائر المشايخ والأعيان فكان يطلب من كل منهم خاتمه للختم به تحت اسمه الذي سبق تدوينه ودون أن يسمح له بقراءة العرضحال، ولم يجرؤ واحد من هؤلاء على الامتناع، اللهم إلا حفنة قليلة من المتمسكين بالورع والتقوى، وعندئذ يعمد المشرفون على جمع التوقيعات - وهم من المشايخ المتصدرين كذلك - إلى استخدام خاتم من عندهم يختمون به، ويبدو أن الشيخ الجبرتي نفسه كان أحد هؤلاء، وقد سجل الشيخ ما حدث فقال: «ولما كتبوا ذلك (أي العرضحال) لم يطلع عليه إلا بعض الأفراد المتصدرين، ويكتب كاتبه جميع الأسماء تحته بخطه، ولا يملكون البواقي الذين يضعون إمضاءهم وأسماءهم من قراءته، بل يطلب منهم الخاتم فيختمون به تحت اسمه، إذ لا يمكنه الشذوذ والمخالفة لحرصه على دوام ناموسه وقبوله عند سلطانه ودائرة أهل دولته، وإن كان متورعا وليس كبير صورة فيهم ولا صدارة مثلهم وأبى أن يسلم خاتمه ليفعل به كغيره ختموه بخاتم موافق لاسمه تحت إمضائه، وهذا هو السبب في عدم نقلي هذه الصورة، بل فهمت المضمون فقط، وبالله التوفيق.»

وعلى كل حال فقد أدى هذا العرضحال الغاية المقصودة منه، سافر به يوم 19 سبتمبر إبراهيم بن محمد علي إلى الإسكندرية ومعه الهدايا الثمينة من حرائر الهند والخيول المسرجة وما إلى ذلك، وسافر صحبته محمد أغا لاظ، وأوفد القبطان باشا كتخداه إلى القاهرة يحمل قراره وهو كما سجل المعاصرون والشيخ الجبرتي مضمونه بقاء محمد علي باشا واستمراره على ولاية مصر؛ حيث إن الخاصة والعامة راضية بأحكامه وعدله بشهادة العلماء وأشراف الناس، وقبلنا رجاءهم وشهادتهم، وأنه يقوم بالشروط التي منها طلوع الحج ولوازم الحرمين وإيصال العلائف والغلال لأربابها على النمط القديم، وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط ولا الإسكندرية، فإنه يكون إيرادها من الجمارك يضبط إلى الترسخانة السلطانية بإسلامبول، ومن الشروط أيضا أن يرضي خواطر الأمراء المصريين، ويمتنع من محاربتهم، ويعطيهم جهات يعيشون بها. وكان تعليق الشيخ الجبرتي على هذه الشروط أنها من قبيل تحليل البضاعة.

وفي 30 سبتمبر كتب «أربثنوت» إلى حكومته من القسطنطينية أنه قد بلغه في اليوم السابق أن الباب العالي أعاد تعيين محمد علي واليا على مصر ثم علق على ذلك بقوله: إن البكوات يعتبرون لذلك من الآن فصاعدا عصاة وثوارا على الباب العالي، ولا يعتقد أن البكوات سوف يستردون الأموال التي دفعوها من شهور مضت إلى الباب العالي وأنه كان من حسن الحظ أن السفير لم يقم بالوساطة بينه وبين البكوات.

অজানা পৃষ্ঠা