১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
জনগুলি
وإن اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسين بك الوشاش تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي وإعدامي أنا وأتباعي، فبعض ما نحن فيه الآن أنساني ذلك كله، فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي، وإنما هو مملوكي اشتريته بالدراهم وأشتري غيره، ومملوكي مملوكهم، وقد قتل لي عدة أمراء ومماليك في الحروب فأفرضه من جملتهم، ولا يصيبني ويصيبهم إلا ما قدره الله علينا وعلي.
إن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم، بل كنا جميعا إخوانا، وتذكروا إشارتي عليهم السابقة في الالتجاء إلى الإنجليز، وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع عليهم (ويشير الألفي هنا إلى مكيدة الصدر الأعظم والقبطان باشا في أكتوبر 1801) ورجعوا إلي ثم أجمع رأيهم على سفري إلى بلاد الإنجليز فامتثلت ذلك، وتجشمت المشاق، وخاطرت بنفسي، وسافرت إلى بلاد الإنجلترة، وقاسيت أهوال البحار سنة وأشهرا، كل ذلك لأجل راحتي وراحتهم، وحصل ما حصل في غيابي، ودخلوا مصر (أي القاهرة) من غير قياس، وبنوا قصورهم على غير أساس، واطمأنوا إلى عدوهم (أي محمد علي)، وتعاونوا معه على هلاك صديقهم، وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم وأحاط بهم وأخرجهم وأهانهم وشردهم، واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج (ويقصد الألفي هنا مكيدة 16 أغسطس 1805) فراجت حيلته عليهم أيضا، وأرسلت إليهم ونصحتهم فاستغشوني وخالفوني، ودخل الكثير منهم البلد، وانحصروا في أزقتها، وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والأمر الفظيع، ولم ينج منهم إلا من تخلف منهم أو ذهب من غير الطريق، ثم إنه الآن أيضا يراسلهم ويداهنهم ويهاديهم ويصافحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم، وما أظن أن الغفلة استحكمت فيهم إلى هذا الحد.
وطلب الألفي من سليمان أغا أن يعيد الكرة عليهم، وأن يذكرهم بما سبق لهم من الوقائع، فلعلهم - كما قال - ينتبهوا من سكرتهم، ويرسلوا مع سليمان أغا الثلثين أو النصف الذي سمح به والدنا إبراهيم بك.» وكان في رأي الألفي أن هذا القدر ليس فيه كبير مشقة؛ فإنهم إذا وزعوا على كل أمير عشرة أكياس وعلى كل كاشف خمسة أكياس، وكل جندي أو مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة، وقال: إنه سوف يفعل ذلك مع قومه، وإنه والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس ، وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا، وما نحن فيه الآن من أهم المصالح، وقل لهم مخاطبا سليمان أغا البدار قبل فوات الفرصة، والخصم ليس بغافل ولا مهمل، والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار.
وذلك مقال طيب، يلاحظ فيه قوة السبك وصفاء التفكير، ويدل على ما كان يتمتع به الألفي من دهاء وحنكة في أساليب المراوغة والسياسة، ولكنه كان من المتعذر على بكوات الصعيد لا سيما عثمان البرديسي تصديق دعواه أن الاستئثار بالسلطة أمر لم يخطر له على بال أو تعهده بأن لا يداخلهم في شيء ولا يقارشهم وتنازله عن كل تلك الميزات التي ضمنها له الاتفاق بين كتخداه والديوان العثماني، وكانوا لا يثقون في أية وعود يقطعها على نفسه، وقد ظهر مصداق ذلك كله عندما رجع سليمان أغا إلى البكوات بجواب الألفي.
فقد كان البرديسي في هذه المرة أكثر هدوءا وصبرا مما مضى، ولكنه في الوقت نفسه كان لا يزال على رأيه السابق، يزيده تمسكا به ما كان قد وصله من رسائل من الوكيل الفرنسي «دروفتي» يؤكد له فيها عدم تخلي فرنسا عن مؤازرته، وكان «دروفتي» قد بدأ يبعث برسائله إلى البرديسي منذ ذيوع خبر عفو الباب العالي عن البكوات وموافقته على إرجاع سيطرتهم القديمة إليهم، ثم مجيء القبطان باشا لتأسيس الوضع الجديد، وكانت قد وصلت البرديسي رسائل جديدة من «دروفتي» قبل رجوع سليمان أغا، فزادته وعود الوكيل الفرنسي تمسكا بموقفه في عناد وصلابة، أضف إلى هذا أن محمد علي الذي ظل يرقب هذه المفاوضات بيقظة وانتباه كبيرين، حرص على بقاء علاقاته مع بكوات الصعيد، يمنيهم بالوعود الكاذبة، ويرسل إليهم الهدايا وخيولا وسروجا وأقمشة، فغرهم الخصم - على حد قول الشيخ الجبرتي - بتمويهاته، واستطاع البرديسي جذب إبراهيم بك إلى رأيه.
وعلى ذلك، فقد كان جواب البرديسي على كلام الألفي أنه لا يثق في وعوده؛ لأنه لا يبغي سوى رعاية صالح نفسه وخدمة مصالح الإنجليز، ويطمع في فرض سلطانه على البكوات، ولن يخضع له هؤلاء بحال من الأحوال، ورفض البرديسي وسائر زملائه دفع شيء من المبلغ، وفي ذلك يقول الشيخ الجبرتي: «إن سليمان أغا عند رجوعه إلى الصعيد وجد الجماعة أصروا على عدو دفع شيء، ورجع إبراهيم أيضا إلى قولهم ورأيهم، وما إن ردد سليمان أغا على أسماعهم كلام الألفي أنه يكون تحت أمرهم ونهيهم، ويرضى بأدنى المعاش معهم، ويسكن الجيزة إلى آخر ما قال، قالوا: هذا والله كله كلام لا أصل له، ولا ينسى الألفي ثأره وما فعلناه في حقه وحق أتباعه، وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته، فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم، وداخلهم الحقد، وزاد في وساوسهم الشيطان، وأمام هذا العناء والإصرار على دفع شيء من المبلغ لا ثلثاه ولا نصفه، وفشل سليمان أغا في مهمته تبعا لذلك، وهو الذي كان قد كفل محمد أغا كتخدا الألفي في القسطنطينية، وأخذ على عاقته مسئولية تحصيل المبلغ، لم يجد مناصا من أن يرمي بآخر سهم في جعبته تفتق عنه ذهنه، فأشار على البكوات أن يقضوا شغلهم في هذا الحين حتى تنجلي عنهم الأعداء الأغراب ثم يقتلوا الألفي بعد ذلك ويستريحوا منه، ولكن حتى هذه النصيحة لم تلق قبولا لدى البكوات الذين قالوا: هيهات! بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد، ويخرجنا إلى البلاد، ثم يرسل يقتلنا، وهو بعيد المكر فلا نأمن إليه مطلقا. ولم يفقد سليمان أغا كل أمل في الخروج من هذا المأزق، فجدد مسعاه لدى إبراهيم بك وعثمان بك حسن، وكان بعد لأي وعناء أن ظفر منهما بوعد بدفع نصيبهما من المبلغ، ولكنهما حددا لذلك أجلا بعيدا، واكتفيا بالموافقة على إرسال ستة من بكواتهم من مائتي مملوك لنجدة الألفي، وتيقن سليمان أغا من فشل مهمته ورجوعه بخفي حنين، فغادر البكوات محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة لكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة (أي محمد باشا السلحدار الصدر الأعظم) وكيف يكون جوابه للمذكور.
وفي 9 سبتمبر مر سليمان أغا في طريق عودته إلى الإسكندرية من ناحية الجيزة ... وصحبته هدايا من طرف البكوات إلى القبودان وفيها خيول وعبيد وطواشية وسكر، وذاع الخبر في القاهرة أن البكوات لم يجيبوا إلى الحضور لممانعة عثمان بك البرديسي وحقده الكامن للألفي، ولكون هذه الحركة وهي مجيء القبودان وموسى باشا باجتهاده وسفارته وتدبيره، وحنق القبطان باشا على البكوات وعلى سليمان أغا عندما أبلغه هذا الأخير نتيجة مسعاه معهم، وأنهم لا راحة عندهم، وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وأن الألفي يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم سليمان أغا بدفعه، فكان جواب القبطان على هذا الحل الذي رأى فيه سليمان أغا إبراء لذمته، ووسيلة يتفادى بها نقمة صالح باشا عليه، أنت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة، وقد تحركنا هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب واحد، وإذا حصل من المالك للبلدة (أي محمد علي) عصيان ومخالفة، ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره، وحيث إنهم متنافرون ومتحاسدون ومتباغضون فلا خير فيهم، وصاحبك هذا (أي الألفي) لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج إلى كثير المعاونة وهي لا تكون إلا بكثرة المصاريف، ومن العبث والجنون تأييد قضية قد تخلى عنها أصحابها، ولما كان سليمان أغا قد صار يخشى من أن يفتك به القبطان باشا فقد غادر الإسكندرية، ولجأ إلى الألفي.
بيد أنه في الوقت الذي كان فيه سليمان أغا يجري مفاوضاته الفاشلة مع الألفي والبكوات، كان القبطان بسبيل الاتفاق مع محمد علي وإنهاء النزاع القائم في مصلحة هذا الأخير، والتخلي عن قضية الألفي والبكوات تماما، ومرد ذلك إلى الجهود الموفقة التي بذلها محمد علي في القسطنطينية، ومع القبطان باشا نفسه، ثم تضجر هذا وتململه من مماطلة الألفي وزملائه ونفاد صبره، وحرصه على الانحياز إلى الكفة التي اقتنع بأنها الراجحة، وبخاصة عندما ألقى «دروفتي» في روعه أنه من المتعذر الاعتماد على الألفي في اجتياز هذه الأزمة بسبب ضعف خلقه وعجزه، وعظم تشاؤم القبطان من قضيته.»
فقد تقدم كيف أرسل محمد علي إلى القسطنطينية مبلغ الألفي كيس الذي جمعه من رؤساء الأرنئود مع العريضة التي كتبها المشايخ (11 يوليو 1806) وأرسلت منها صورة إلى الديوان العثماني وأخرى إلى القبطان باشا، وحرص على تكريم مندوبي هذا الأخير كلما حضروا إلى القاهرة، وحملهم بالهدايا الثمينة إليه كلما غادروها، وقد دأب على فعل ذلك دون انقطاع خلال الأزمة حتى كسب الأنصار في القسطنطينية والإسكندرية، واستند إلى جانب ذلك على رغبة الشعب في بقائه في الولاية، وهي الرغبة التي أفصحوا عنها في عرائض مشايخهم ورؤسائهم، ولم تفتر مساعي وكلائه لدى الديوان العثماني لحظة واحدة، فذكر «مسيت» للوزير «وندهام» في 8 سبتمبر أن الباشا أرسل أخيرا مبلغا كبيرا من المال إلى القسطنطينية لكسب أنصار له في الديوان العثماني، ثم عاد يقول في 10 سبتمبر: إنه إذا أحدثت الأموال التي بعث بها محمد علي إلى القسطنطينية تغييرا هناك في صالحه، فإن العرائض التي كتبها المشايخ سوف تتخذ سندا لتبريره، وقد استطرد «مسيت» يقول: وفي الحقيقة ينتظر محمد علي أن يصله قريبا فرمان بتثبيت ولايته، حتى إني طلبت من وكيلي بالقاهرة من أيام قليلة مضت إبلاغي بذلك عند حدوثه.
وكان «مسيت» وقت كتابته رسالته هذه على حق في توقيع مجيء فرمان بتثبيت محمد علي في ولايته؛ ذلك أنه لما كان القبطان باشا قد جعل في الإبرة خيطين - على حد تعبير الشيخ الجبرتي - ليتبع الأروج وعرض الباشا استعداده لشراء موافقة السلطان بدفع إعانات مالية جسيمة والمداومة على إرسال الهدايا إلى القبطان باشا، ورجع سليمان أغا من الصعيد بخفي حنين - كما سبق ذكره - وظهر عجز الألفي في حصار دمنهور، وشاهد النجدات من الجند الذين أغراهم - كما قال «مسيت» - توقع الظفر بأسلاب وغنائم كثيرة تتدفق على مصر في خدمة محمد علي، فإن القبطان باشا لم يلبث أن بعث يطلب تعليمات جديدة من القسطنطينية، وكان معنى ذلك أنه قد تحول نهائيا في صالح محمد علي، ولقد تضافرت عوامل عدة لضمان نجاح مسعى وكلاء الباشا في القسطنطينية إلى جانب سلاح الرشوة، الوسيلة التي عرف محمد علي دائما أنها كفيلة بجذب وزراء الباب العالي وشراء تأييدهم لقضيته، فكان من أهم هذه العوامل تأزم الموقف في القسطنطينية ذاتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر 1806 - على نحو ما سبق توضيحه - وذلك عندما تكدرت العلاقات بين تركيا وروسيا، ولم تفلح جهود «أربثنوت» السفير الإنجليزي في إزالة أسباب الجفاء بينهما، وبدأت تتفاقم الأزمة تدريجا حتى إن الصدر الأعظم - كما ذكر «مسيت» في 18 سبتمبر - بعث يدعو القبطان باشا بالعودة إلى العاصمة لضرورة وجوده بها، أضف إلى هذا أن نفوذ فرنسا قد أخذ يعلو وقتئذ في القسطنطينية، منذ أن وصل إليها السفير الفرنسي الجديد «سباستياني» في 10 أغسطس.
অজানা পৃষ্ঠা