من مصر خرجت العلوم السنية وانتشرت في ربوع الأرض الفسيحة، وتعلم الناس ما لم يعلموه من كيمياء وفيزياء وفلك وحساب وهندسة ومعمار وبناء وطب وقانون وفنون حربية وملاحة وصناعة وزراعة .. تعلموا الكتابة والقراءة والرسم والتصوير والنقش.
تعلموا التعدين والبحث عما تخبئه الأرض في جوفها .. ولعل بناة الأهرام خير دليل على جبروت المهندس المصري الفرعوني من دون مهندسي العالم طرا.
من مصر خرجت القيم والمثل العليا .. وراحت مصر تضرب للعالم أروع أمثلة الفداء والتضحية والصبر والجلد والديمقراطية .. وتعلم الناس في كافة أنحاء الأرض ما لم يكن لهم أن يعلموه، لو لم نكن لهم نحن النور والقبس والمنبع المضيء المنير والهادي والموجه ...
ومصر الأمل لا تقل روعة عن مصر النور .. فقد ولد الأمل في مصر .. ومصر هي أم الأمل ووالدته .. ومنشئته ومربيته، وراعيته وساقيته.
وأمل مصر لا حدود له .. الأمل في المستقبل المشرق العامر بالخير .. الفائض على الحد، المتمثل في الجود الإلهي بما لأرض مصر من إخصاب لا ينضب، وبما لنهر مصر من طول لا يقل ولا يقصر .. ومن فيض لا يجف ولا يجدب .. وبما لهواء مصر من نقاء وصفاء .. وبما لشمس مصر من إشراق دائم ونور ساطع ودفء عظيم وإبداع نادر الوجود، لا نظير له في أية بقعة أخرى من بقاع الأرض.
ينحصر أمل مصر في توثب شبابها ورجالها العامرين بالإيمان، والمتسلحين بالعلم والثقافة والحنكة والممارسة .. والممتلئين حيوية ونشاطا، وحبا وطنيا لا حد له ولا نهاية.
أبقاك الله يا مصر، منارة ونورا ونارا وأملا على الدوام وإلى أبد الآباد.
حكايتي مع مصر
ولدت في مصر من أبوين مصريين أفهماني صغيرا أنني مصري .. من أهل مصر .. وأن مصر هي أرضي ووطني .. قالا لي أن أهتف باسمها، فقلت: تحيا مصر .. تحيا مصر!
ولما ذهبت إلى المدرسة المصرية، علموني الوطنية، وقالوا لي إن مصر هي أمك الأولى، وإنها هي التي سترعاك ليل نهار، وإن علي أن أعشقها قبل أن أعشق حبيبتي، أو من ستكون يوما ما زوجتي وأم أولادي .. وفعلا اعتبرت مصر أمي الأولى، وراح اسمها يتردد في خاطري الصغير، ومع كل دقة من دقات قلبي الطاهر النظيف؛ فأحب قلبي مصر حبا نظيفا غريبا، يختلف عن كل حب عرفه قلبي الصغير في ذلك الحين المبكر من حياتي القصيرة.
অজানা পৃষ্ঠা