قالوا: لو كلف العوام والنساء بهذه الأصول والاستدلال عليها بالأدلة الغامضة ودفع الشبه مع علمنا أنهم لم يفعلو ذلك لوجب أن يقضى بكونهم كفارا، ويجري عليهم أحكام الكفرة، ومعلوم خلافه.
قلنا: لم ندع أنهم كلفوا ما كلفه المبرزون في العلم، وإنما كلفوا جملة يسيرة يسهل اكتسابها وأدلتها مقررة في عقولهم، وعجزهم عن التعبير عنها لا يدل على أنهم غير عالمين بها، فإن كثيرا من العقلاء يعلم ما لا تحسن العبارة عنه، ألا ترى أنك لو سألت رجلا عاقلا عن العقل ما هو لما درى كيف يجيبك، ومتى عددت العلوم المذكورة لقال أما هذه فأنا أعلمها. يزيده وضوحا: أن الذي يذكره العالم للمتعلمين في هذا الفن إنما هو التنبيه على وجوه الاستدلال ، وعلى ما هو مقرر في عقولهم.
قالوا: قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا..}، فأخبر تعالى أن الإقرار كاف في ذلك.
قلنا: رأس الاستقامة العلم بالله تعالى وإلا لزم في الكافر والمنافق مثله إذا أقر باللسان.
قالوا: قال تعالى: {فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} ولم يشترط الاستدلال.
قلنا: معرفة صحة القول وحسنه يقف على معرفة الله تعالى.
قالوا: قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: ((بني الإسلام على خمس)) ولم يذكر غيرها.
قلنا: شهادة أن لا إله إلا الله وسائر الخمس تقف على معرفة الله؛ لأنه كيف يشهد أنه لا إله إلا الله ولم يعرفه.
والكلام على أهل الظن هو أن التكليف بالظن مع إمكان العلم قبيح في باب الأصول؛ لأن كون الباري تعالى مرئيا أو غير مرئي مثلا أمر ثابت في نفس الأمر لا يحصل بحسب الظن /21/ ولهذا يخالف الفروع، لأن المصلحة فيها بجواز أن يحصل بحسب الظن.
وبعد فإما أن يكلفوا الظن كيف كان أو الظن الصائب المطابق لأقوى الإمارات.
إن قالوا: بالأول. فهو ظاهر السقوط، وإلا لزم إصابة من ينفي الصانع، وينكر النبوات ويشرك بالله.
وإن قالوا: بالثاني. قلنا: وكيف يعلم أن ظنه صائب مطابق.
পৃষ্ঠা ৩১