فالأولى في إبطال قوله رحمه الله تعالى ما تقدم من أنها لو كانت ضرورية، لكانت بديهية، فكان يجب اشتراك العقلاء فيها من حيث يعد في كمال العقل لا من حيث اللطف، وأيضا فتجويزه لذلك في حق الأنبياء والصالحين يقتضي أنهم قد عرفوا الله بالاكتساب قبل حصول المعرفة الضرورية؛ لأنهم إنما يكونون أنبياء وصالحين إذا عرفوا الله، ومتى قدرنا أنهم عرفوه استدلالا بعد ما ذكره رحمه الله تعالى.
شبهة أهل المعارف: إن المعرفة لو كانت من فعلنا لجاز أن يختار أحدنا الجهل بدلا منها، في ثاني حال النظر؛ لأن من قدر على الشيء قدر على جنس ضده إذا كان له ضد.
والجواب: إنه معارض بما تعدونه نظريا من العلوم. والتحقيق: أن العلم قد صار واجب الوجود لوجود سببه، والجهل إنما يقع مبتدأ باختيار الفاعل.
قالوا: لو كلف المعرفة لوجب أن يعرف صفة ما كلفه واحدنا حال النظر لا يعرف صفة المعرفة، إذ لو علمها لما كلف النظر؛ لأنها هي المطلوب.
قلنا: هو يعلم ماهية المعرفة تصورا، وإن كانت معدومة، وهي مكلف تلك الماهية المتصورة في ذنه، على أن معرفة سببها الموصل إليها يقوم مقام معرفتها، وعلى أنهم معارضون بما يعدونه نظريا من العلوم.
قالوا: لا مشقة في العرفة، فكيف يكلف بها.
قلنا: المشقة في سببها.
قالوا: وكيف يجب العلم بالشيء قبل العلم بصفة من أوجبه؟
قلنا: العقليات تجب لوجوه يقع علها، فلا يحتاج إلى العلم بالموجب.
قالوا: لو كلف أحدنا /19/ بالمعرفة لنهى عن الجهل، ولو عرف الجهل لعرف المجهول.
قلنا: ليس منهيا عن جهل معين وإنما هو منهي عن كل اعتقاد لا يأمن كونه جهلا.
والكلام على أهل التقليد هو أن المقلد لا يأمن في ما يعتقده أن يكون جهلا، والأقدام على ما يؤمن كونه جهلا قبيح كالإقدام على الجهل.
পৃষ্ঠা ২৮