فصل كل ما لا يعلم استدلالا يجوز أن يعلم ضرورة مطلقا، وكل
ما يعلم ضرورة يجوز أن يعلم استدلالا بشرط زوال العلم الضروري إذا لم يكن من كمال العقل.
وقال قوم: يجوز مطلقا في الطرفين، ويبطله أن من حق الاستدلال التجويز الاستحالة أن ينظر الإنسان فيما هو قاطع فيه.
وقال الشيخ أبو القاسم: لا يجوز في واحد من الطرفين، وجعل العلم بالله تعالى في دار الآخرة استدلاليا، لكونه في الدنيا كذلك. لنا أما الأول فلأنا إذا قدرنا على العلم فالله تعالى عليه أقدر، فيصح كونه ضروريا.
وأما الثاني: فلأنه إذا زال العلم بالشيء ضرورة لم يمكنا أن نعلمه إلا بالاستدلال.
وأما قوله في أهل الآخرة، فباطل؛ لأن الاستدلال لا يصح إلا مع التجويز، وفي ذلك يتغيض على أهل الجنة، ويتعيش على أهل النار لتجويزهم الجميع انقطاع ما هم فيه حال النظر.
وبعد فكان يجوز أن لا يختار أهل النار المعرفة، وليس له أن يقول هم ملجئون إليها، لأن الإلجاء بنا في التكليف، وهم عنده مكلفون، وإن كان التكليف في حقهم باطلا، وإلا وجب أن يكون لهم طريق إلى الانتفاع بما كلفوه، فيؤدي إلى أن يستحق أهل النار ثوبا بالطاعة، وأن يستحق أهل الجنة الذم والعقاب إن عصوا وأن تلحقهم مشقة.
পৃষ্ঠা ১৬