وبعد فأحدنا يجد نفسه ساكنة من دون نظر، وبعد وكان يلزم التسلسل في الأدلة، فإذا علمنا الشيء بدليل احتجنا إلى دليل آخر على أن أنفسنا ساكنة، ثم إذا نظرنا في ذلك الدليل الآخر فعلمناه وسكنت أنفسنا احتجنا في ذلك السكون إلى دليل آخر على أن أنفسنا ساكنة، وهلم جرا.
وإن قال الجمهور: إن الدليل الذي يحصل به العلم بالمدلول والعلم سكون النفس واحد، وكذلك النظر واحد، فلا يلزم التسلسل في الأدلة ولا التجويز حال العلم بالمدلول.
وقيل لهم: هذا على بعده يلزم عليه كون النظر مولدا لعلمين مختلفين، العلم بالمدلول والعلم بسكون النفس إليه.
على أن أحدنا إنما يجد نفسه طالبة للعلم بالمدلول حال النظر ولا يجدها طالبة للعلم بسكون النفس.
حجة الجمهور: أنه إذا كان الاعتقاد استلاليا فبالأولى ما هو مقتضى عنه؛ لأنه كالفرع له.
ولأبي عبد الله أن يجيب بأنكم إن أردتم بكون سكون النفس استدلاليا أنه مقتضى عن علم /10/ استدلالي، فهو صحيح، لكن ذلك لا يمتنع من كونه معلوما بالوجدان من النفس وإن أردتم بكونه استدلاليا أن النظر الأول يولده أو أنه يحصل بنظر مستأنف فهو محل النزاع.
قالوا: كان لا يصح زوال العلم الاستدلالي قط بعد حصوله؛ لأن أحدنا يضطر فيه إلى سكون النفس. وله أن يقول بل يصح زوال العلم الاستدلالي، لكن إذا زال ما هو مقتضى عنه، وهو سكون النفس النفس، وإذا زال سكون النفس زال العلم الضروري المتعلق بسكون النفس؛ لأن الله تعالى لا يحدد فينا اعتقادا ضروريا يتعلق بالشيء، لا على ما هو به.
পৃষ্ঠা ১৫