মিন ওয়ারা মিনজার
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
জনগুলি
وانعقد لسان الجندي فلم يدر ماذا يقول، «فأنقذت الموقف» أنا بامتداحي حياة الجندية وبثنائي في عبارة سهلة يفهمانها على أولئك البواسل الذين يفتدون بلادهم بأرواحهم ... ولمعت عينا الجندي الشاب، ثم تندت بدموع الفرح مقلتاه وأنسته الحماسة خجله فقال وهو الذي كان يحمل الفأس بالأمس إنه يفدي بلاده بدمه إذا لزم الفداء ... ونظرت إليه الفتاة نظرة عاجلة لم أر فيها إلا معاني الإعجاب والارتياح، ونهضت قائلا: إني أتركهما برهة ليقولا ما بنفسيها.
وعدت إذ رأيته يضع على رأسها الجرة، وواجهتني ذاهبة صوب القرية، فإذا هي مستبشرة راضية تكتم ضحكتها وفي وجهها شيء من الحياء يخالطه شيء من التصنع؛ ودنوت من ذلك الجندي أسأله لم لا يصف ذلك في موال من مواويله، وهو ذلك الشاعر الذي ما عي لسانه في موقف ... ولكنه لم ينطق بموال حينذاك، وإنما راح يتكلم عن حب الوطن وعن معاني الفداء والبطولة، ولشد ما أعجبني قوله: «الواحد منا ما يستهلش خير بلاده إذا ما دفعش عنها بدمه، والراجل إيه فائدة عافيته وشبابه؟ يا ترى يقعد زي البنت؟» وأكد لي أنه لا يأسف على فراق قريته في سبيل وطنه، وتلعثم ثم قال: إن حب بلاده فوق كل حب!
واستأذن الجندي الفلاح فوقفت أصافحه في حماسة وشيعته بنظرات الإكبار وهو يمشي مشية متزنة سريعة، وعجبت كيف تغير الجندية عقلية هؤلاء الفلاحين بمثل هذه السرعة، وأثلج صدري أن أرى في ذلك الفتى المتحمس الدليل الحي على صحة ما يقوم أبدا في نفسي، من أن هذا الذي يجيل الفأس في تربة وادينا الوديع الهادئ كفيل بأن يدير في يده السلاح بنفس المهارة إذا هو قلد السلاح ... ومن أين جاءت جنود تحتمس ورمسيس وإبراهيم؟ وكم بين هؤلاء السذج زرق الجلابيب من قادة أمجاد وعلماء أفذاذ وشعراء فطاحل وساسه أمائل، ولكنهم تركوا في غمار الجهل والفاقة لا يعلمون إلا أن يجيلوا الفأس في ثرى الوادي في صمت وصبر جاهدين.
عرفان الجميل
نهضت للقائه وقد أقبل علي هاشا محييا، وصافحته شاكرا له تحيته مجيبا عليها بأحسن منها، وجلست وجلس وهو يحمد الظروف التي جمعت بيننا في القرية على غير انتظار.
وكان يعلم أني لا تتاح لي فرصة للمجيء إلى القرية إلا اغتنمتها، فمال بالحديث إلى ذلك المعنى، وأخذ يبدئ ويعيد في بيان مبلغ كراهته للقرية، وهو لن يرى أبلغ من أن يقول إنه يكرهها اليوم بقدر ما أحبها بالأمس، وإنما يجيء إليها مضطرا في بعض عمله ثم يغادرها أسرع ما يستطيع.
ولما كنت أفهم العلة الحقيقية لتلك الكراهية لم أشأ أن أناقشه فيما أبداه غيرها من العلل الزائفة، بل لقد ثقل علي كلامه، وأنكرت ما يفيض به من تكلف سخيف وما ينطوي عليه من خبث بغيض.
ورأيته يبالغ في الحذر على ملابسه أن يعلق بها التراب، فهو لذلك يمسحه عنها بمديله بين آونة وأخرى لا يمل ذلك ولا يفتر عنه؛ وكيف يطيق أن يرى الغبار على حلته «الإفرنجية»، وإنه ليزهى أكبر الزهو بأن يخطر فيها على أعين الناس في القرية يذكرهم بها كيف أنه أصبح ذلك «الأفندي» الوجيه الذي لا يقل في وجاهته وعظمته شأنا عن سراة القرية، ولعل هذا المظهر الذي تبتهج له نفسه هو وحده الذي يجعله يطيق البقاء يوما أو بعض يوم في تلك القرية.
وقطع علينا الحديث قدوم شيخ أربى فيما قدرت على الستين يتوكأ على عصا غليظة، ويكاد من الضغف لا تقوى على حمله رجلاه، ولم يكن ذلك الشيخ المتهدم إلا والد ذلك الأفندي الوجيه، ونهضت أستقبله مظهرا له حفاوتي به، وعجبت أن أرى ابنه يقف متثاقلا متباطئا، وأسند الرجل عصاه إلى أحد المقاعد وأراد أن يجلس على الأرض، فأمسكت بيده وأجلسته بعد إلحاح على المقعد.
وأطرق الرجل لحظة، ولكني تبينت في عينيه كلاما؛ وفطنت إلى أنه يرتاح لوجود ابنه معي في تلك الآونة إذ يستطيع أن يسمعه ما يريد ويشهدني على قوله ويبثني شكواه؛ وزدت وثوقا من ذلك بما رأيته من اضطراب وغيظ على ملامح ابنه الوجيه.
অজানা পৃষ্ঠা