هي إذن قاتلة، وهي إذن مجرمة، ولا بد لها من أن تلقى عقوبة هذا الإثم، ولن تكون حياتها إلا وقفا على هذه العقوبة، فستخلو إلى نفسها وستألم فيما بينها وبين نفسها ألما لاذعا ممضا لا حد له، ولا عزاء عنه. ألم يهجرها أصحابها وأصدقاؤها، ألم يقم البرهان على أنها عاجزة عن الحب؟ وإذن فلتطمئن إلى ما قدر الله لها من هذا الشقاء المتصل، والندم الذي سيلازمها طول الحياة، وإذن فلترد إلى هذا الرجل حريته ليمضي مع هذه المرأة البريئة حقا، لأنها لم تقتل، ولم تسفك دما، ولأنها لم تحب ولم تنغص عاشقا.
وهي شجاعة تستقبل حياتها الأليمة في شيء من الرضا مؤثر، وتعفو لصاحبها عن هذا العبث في شيء من الطمأنينة والصفح غريب من هذه المرأة التي غارت فسفكت الدم منذ حين.
ويسدل الستار وهما في هذا الحديث دون أن نعرف علام يستقر أمرهما، ولكننا نقدر في وضوح أن سيمضي الرجل لاستئناف حياته، وأن ستنصرف هي لاستيعاب ما قدر لها من هذه الكأس المرة، كأس اللوعة والندم.
ما أجملها
قصة تمثيلية بقلم الكاتب الفرنسي «جاك ديفال»
أقديمة هذه القصة التي أريد أن أتحدث إليك عنها أم طريفة؟ الحق أنها قديمة وطريفة معا؛ قديمة في الموضوع، وطريفة في الشكل كما يقول المحامون، بل ربما لم تكن طريفة في الشكل من جميع أنحائها، فقد لوحظ تأثر الكاتب في موضوعها بمذهب كورني، ولعلي لا أخطئ أن لاحظت أن أسلوبها وألفاظها قد لا تخلو من التأثر بهذا المذهب أيضا إلى حد ما.
وقد اختلف النقاد في أمرها، فقليل منهم أثنى عليها في غير تحفظ، وأكثرهم لم يرض عنها، أو رضي عنها رضا هو إلى السخط أقرب منه إلى أي شيء آخر. ومع ذلك فقد اخترتها موضوعا لحديثنا هذه المرة؛ ذلك لأني لم آخذ نفسي بألا أتحدث إليك إلا فيما يعجب النقاد، وإنما أتحدث إليك فيما يصلح موضوعا للحديث، سواء أرضي عنه النقاد أم سخطوا عليه، وأتحدث إليك في القصة التي تعجبني، وربما أعجبتني قصة لم تعجب غيري من النقاد، ولست أشك في أن هذه القصة تصلح موضوعا لحديث قيم، كما أني لا أتردد في الاعتراف بأنها أعجبتني.
وكيف لا تصلح موضوعا لحديث قيم وهي صراع بين الحب والصداقة، فيه قوة وفيه عنف لا حد له، وفيه استثارة لطائفة من العواطف الإنسانية يوشك أن يبلغ حد العبث بهذه العواطف؟ ولكن من الخير قبل أن أعرض عليك القصة أن أقدم رأي النقاد فيها.
قلت أن أكثرهم ساخط عليها أو متحفظ في الرضا عنها، ومصدر ذلك أن الكاتب قد حاول شيئا يوشك أن يكون مستحيلا في حياة الناس اليومية، حاول أن يحقق التضحية بالنفس والحب، وما يستتبع من عاطفة ولذة في سبيل الصديق، وربما كان هذا ممكنا في العصور القديمة، وربما كان هذا ممكنا أيضا في خيال الكتاب والشعراء، ولكن يظهر أن حياتنا الحاضرة لم تعد تسمح بمثل هذه التضحية ولا تبيحها، فقد قويت شخصيات الأفراد، وقويت معها حظوظ الناس من الأثرة.
وقوي مع الشخصية والأثرة عقل الفرد، وقدرته على التصرف، والتخلص من المآزق المحرجة في غير حاجة إلى تضحية أو في غير حاجة إلى التضحية بالنفس على أقل تقدير، والناس ينظرون مع شيء من الابتسام والسخرية إلى مثل هذه التضحيات المجاوزة لطاقاتهم، والتي كان يفتتن بها كورني ومحبوه، بل هم لا يكتفون بالابتسام والسخرية، ولكنهم ينصرفون عن القصص التي تمثل هذه التضحيات انصرافا.
অজানা পৃষ্ঠা