وكانت زوجته جالسة إلى المرآة تتزين ... •••
وعلى حين كانت الدار تموج بالأهل، والجيران يتهيئون لتشييع الأم إلى مقرها، كان الفتى جالسا في ثلة من أصدقائه وصديقاته يحتفلون باليوم السعيد!
إبليس يتوب!
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ... ***
أرخى الليل سدوله على الكائنات، وأوى الناس إلى مضاجعهم فارغين من هم الحياة، إلا محزونا قد حضره بثه، أو عابدا قائما في محرابه، أو حارس ليل قد سهر لعيشه، أو عاشقا يسترجع ذكرياته، أو صاحب لهو وغزل قد اسود نهاره وابيض ليله ...
وفرغ إبليس مما كان فيه من تدبير سلطانه وسياسة رعيته، وانفض «زبانيته» عن مجلسهم إليه كل مساء، فتفرقوا زبنيا وراء زبني، وانبثوا ينفثون الشر عن أمره في أوكار الظلام، ففي كل منعطف شيطان صغير يتربص، وبين كل اثنين من البشر ثالث من جند الشيطان لا يريانه ... وتسلل إلى مضاجع النوام من بني آدم نفر من الزبانية يصنعون لهم الأحلام، ويتمنون الأماني، ويوقظون الشهوات ...
وأشرف إبليس من طاقه على الدنيا يرقب ما يكون من أمره وأمر الناس، أيقاظا أو نائمين. وكأن قد سره ما رأى وما سمع، وما ألقي إليه من علم ما لم يسمع ولم ير، فاطمأن إلى غلبة سلطانه على الأرض، ونفاذ حكمه على البشر، واستعلاء كلمته في الناس ... فبردت ناره، وهدأت حميته، وسكنت فورة الكبرياء التي شبها الحسد في قلبه يوم اتخذ الله بشرا من طين ليجعله خليفة في الأرض ... ... وكأن قد رأى إبليس في تلك الليلة أن المباراة بينه وبين البشرية قد انتهت إلى غايتها، وثبتت حجته على الله ... فتمتم بكلمات مزهوا فخورا بالنصر والغلبة، فلم يكد يفعل حتى برق البرق، ورعد الرعد، وعصفت الرياح، وتهاوت الشهب، وزلزلت الأرض، وتحركت الرواسي، ولاح بين المشرق والمغرب شعاع من نور ...
وارتعد إبليس وأخذه الروع حين رأى ما رأى وسمع ما سمع، وناله من الفزع ما لم ينله مثله منذ كان؛ فهتف في ندم وذلة وضراعة: «يا رب! أئنها القيامة ...؟»
فلم يلبث أن خبا البرق، وسكت الرعد، وهدأت الريح، وسكنت الأرض، وأرسيت الجبال؛ فأفرخ روع إبليس، وثابت نفسه إلى الطمأنينة، وعاد يشرف من طاقه على الدنيا هادئا راضيا يرقب ما يكون من أمر زبانيته وأمر الناس!
وسمع في هدأة الليل شيخا قائما في محرابه يصلي لله ويدعو، فما يبدأ ولا ينتهي من سجدة إلا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم. وأحس إبليس لعنات الشيخ تتساقط عليه وحواليه رجوما، فلو كان من طين لاحترق، ولو كان من ثلج لذاب ...
অজানা পৃষ্ঠা