আকীদা থেকে বিপ্লবে (৩): ন্যায়বিচার

হাসান হানাফি d. 1443 AH
151

আকীদা থেকে বিপ্লবে (৩): ন্যায়বিচার

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

জনগুলি

إن الجبر والاختيار في واقع الأمر ليسا نظريتين مبدئيتين، بل موقفان سياسيان كل منهما يحاول أن يجد تبريرا نظريا له بالاعتماد على النقل أولا ثم على التعقيل ثانيا. الموقف الأساسي موقف سياسي يكشف عن صراع قوى سياسية واجتماعية متناحرة من أجل السلطة والحكم، موقف السلطة وموقف المعارضة، موقف الحاكم وموقف المحكومين. والجبر والاختيار من أولى المشاكل التي ظهرت في الجماعة، ليس كموضوع نظري فحسب، بل كدلالة عملية وبوجه خاص كطرح سياسي. فإذا ما أراد الحاكم أن يتسلط وأن يتحكم بلا بيعة أو شورى، فإنه سرعان ما يجد مبررا له في الدعوة إلى الجبر في أفعال العباد، والحرية المطلقة لإرادة شاملة يتمثلها الحاكم حتى يصعب بعدها التفرقة بين إرادة الله وإرادة السلطان، فكما أن الله حر يفعل ما يشاء فكذلك السلطان يفعل ما يريد، وكما لا يجبر الله على الشيء فكذلك لا يجبر السلطان على شيء.

80

أما إنكار القدر وإضافة الخير والشر إلى الإنسان، فإنه يعطي الإنسان مسئولية ويجعله مسئولا عن كل ما يحدث في الواقع من أنظمة. فالحاكم مسئول، والرعية مسئولة. ويمكن التعامل بينهما على قدم المساواة. لا يوجد قدر خارجي يجعل من الحاكم حاكما أو يملي عليه أفعالا لا يعترض عليها. ولا يوجد قدر خارجي يجعل الرعية ساكنة مطيعة للحاكم وكأن الحاكم قدرها.

81

نظريات الجبر أو الكسب أو الحرية لها وظيفة في كل عصر، سواء من حيث النشأة أو من حيث الغاية. فهي تنشأ تعبيرا عن طبيعة المجتمع وصراع القوى فيه. فإذا كان مجتمع ضغط وإرهاب تنشأ نظريات الجبر لتبرير وجوده ولمطالبة الجماهير بالتسليم والإيمان بالقضاء والقدر والترويج لمعتقدات القسمة والنصيب والحظ. تنشأ أولا كتبريرات عبقرية ممن جعلوا أنفسهم منظرين للأنظمة الاجتماعية والذين في العادة يقلبون الحق باطلا والباطل حقا كما تهوى السلطة وكما يريد النظام، وقد يقوم الأفراد بذلك لمصلحتهم الشخصية لنيل الحظوة لدى الحاكم ثم تتبنى السلطة مقالاتهم للاستفادة بها على نطاق أوسع لإضفاء الشرعية على النظام وفرض الطاعة والولاء على العباد.

82

ثم تظهر صور المقاومة في هذه المجتمعات الضاغطة في الإيمان مثلا بظهور مخلص يأتي ليخلص الناس من القهر والضغط والظلم ولينشر لواء العدل، وهي صورة خيالية للتحرر الفعلي أو عن طريق الحركات السرية لتحقيق انتصار عن طريق الخيال والتعويض النفسي حتى يتحول الضعف إلى قوة، والهزيمة إلى نصر. وتنشأ عند الجماهير الأخرويات أي أمور المعاد وتتخيل عالما آخر في نهاية الزمان يسود فيه العدل ويمحق الظلم. ينال فيه الجائع خبزه، والفقير غناه، والعاري ملبسه، والشريد مأواه، والمهضوم حقه، والضعيف قوته. وهي كلها مذاهب وعقائد تدل على أن الإنسان رسالة وأنه يضاد الظلم بالعدل، والباطل بالحق، والضعف بالقوة، والهزيمة بالنصر، ولكنه في موقف عاجز لا يستطيع أن يقوم بالرسالة الآن بالفعل فيحولها إلى معتقدات وإيمان انتظارا للفرج القريب. وفي المجتمعات المنتصرة، ولدى سلطة واثقة من سلطانها وإحساسها بأنها سلطة شرعية قامت على حق وليست بناء على اضطهاد وقمع، فإنها قد تنشر نظريات الحرية المطلقة للإرادة الشاملة للحصول على مزيد من التأييد ما دامت السلطة شرعية، وحث الناس على الكسب والعمل، كل حر فيما يريد باستثناء التعرض لسلطة الحاكم. ثم تظهر المقاومة في مثل هذا المجتمع المنتصر بإعطاء معنى آخر للحرية وهي حرية الإنسان في الاختيار حتى في الحكم وفي العمل من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الاختيار الحر في السياسة والاقتصاد، في الحكم والمال. المقاومة هنا سياسة اجتماعية في مواجهة النظام القائم، علنية وليست سرية، داخلية وليست خارجية. وفي المجتمعات المموهة التي تبغي إبقاء الوضع الحاضر على ما هو عليه دون تغيير تروج نظريات تجمع بين الجبر والاختيار حتى يغمض الفكر، ويتراخى الباعث، وتضمر الغاية، فلا يعود الناس يدرون شيئا من عالم يحيط به الغموض وتغلفه الأسرار. ويصبحون أنصاف مجبرين، أنصاف أحرار، ويصعب التمييز حينئذ بين الرضوخ والتمرد، بين الإذعان والثورة، وفي الغالب ما يمتد نصف الجبر فيحتوي نصف الحرية، وينتهي الأمر كله بالرضوخ والإذعان والتسليم ، ويصبح نصف الحرية مجرد غطاء نظري يعبر عن حق لا وجود له. (3-3) حرية أم تحرر؟

إن ما سماه القدماء امتحانا أو اختبارا أو ابتلاء هو في الحقيقة إعادة لوضع السؤال الوضع الصحيح؛ فالحرية ليست موضوعا نظريا يسأل عنه ثم يجاب عنه بالإثبات أو بالنفي، بل هو موقف نفسي اجتماعي تظهر فيه وقد لا تظهر. فالإنسان يوجد في موقف، ويجد في نفسه بواعث عديدة، ويشعر بإمكانيات عديدة للسلوك، يحقق الإنسان إحداها عندما يتبع الباعث الأقوى النابع من رسالته؛ لذلك آثر البعض إلغاء المشكلة النظرية كأحد حلولها وكأن حلها الوحيد هو إعادة وضع السؤال أو الانتقال من الحرية النظرية إلى الممارسة العملية.

83

لا تظهر الحرية إلا في موقف، كما لا يوجد الإنسان إلا في عالم. فالحرية في العالم. الموقف أو العالم هو الطرف الآخر لحرية الإنسان وليست أية إرادة خارجية مشخصة. وعلاقة الطرفين، الحرية والعالم، ليست علاقة رأسية كما هو الحال في الوضع القديم بين إرادة الإنسان وإرادة العالم المشخصة، بل علاقة أفقية يتحدد فيها سلوك الإنسان بين الإحجام والإقدام، بين الوراء والأمام. فما ظنه القدماء على أنه علاقة بين الإنسان والله هو في حقيقة الأمر علاقة بين الإنسان والعالم العريض، بين الإنسان والتاريخ بسلوك الإنسان فيه بين التأخر والتقدم. كما أن القيم لا تتفاوت رأسيا بل تتفاوت أفقيا. القيمة الأكمل هي التي تحقق أكبر قدر ممكن من العدالة لأكبر عدد ممكن من الناس، وأكبر قدر ممكن من الحركة والتقدم لأكبر قدر ممكن من البشر. القيم مادية، في مادتها وصورتها وليست صورية فارغة. القيم محسوسة ملموسة وليست مضمرة متطهرة يتستر وراءها الشبق المادي. والقيم اجتماعية وليست فردية، عامة وليست خاصة، تعبر عن وجود الإنسان وكماله وطبيعته وليس عن عدمه ونقصه وزيفه وافتعاله. ولا يعني الابتلاء أو المحنة وقوع المصائب وأن الحياة هي مجموعة من المآسي تقع على رءوس البشر، بل تعني المحنة أو الابتلاء أن الحياة مجموعة من المواقف أو التجارب أو الصعاب أو العقبات يتخطاها الإنسان بحريته. لا يثبت الفعل إلا بالمقاومة والجهد ولا يصقل إلا بالعقبة. ليست المحن هي المصائب البدنية أو المادية أو النفسية، بل هي التجارب التي يمر بها الإنسان والتي يوجد فيها وهو يحقق رسالته. المحنة في الدين شاملة لمحن الدنيا.

অজানা পৃষ্ঠা