درر من أقوال الإمام الحسن البصري ﵀
عن عمران بن خالد قال: قال الحسن: إن المؤمن يصبح حزينًا ويمسي حزينًا، ولا يسعه غير ذلك؛ لأنه بين مخافتين: بين ذنب قد مضى لا يدري ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك.
يعني: له ذنوب في الماضي لا يدري هل غفرت أم لا، وكذلك لا يدري هل يصيبه شيء من المهالك في بقية عمره، فلابد أن يكون حزينًا.
وعن عمران القصير قال: سألت الحسن عن شيء فقلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا، فقال: وهل رأيت فقيهًا بعينك؟ إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه ﷿.
وعن طلحة بن صبيح عن الحسن قال: المؤمن من يعلم أن ما قال الله ﷿ كما قال، المؤمن أحسن عملًا، وأشد الناس خوفًا، لو أنفق جبلًا من مال ما أمن دون أن يعاين -يعني: الآخرة- ولا يزداد صلاحًا وبرًا وعبادة إلا ازداد فرقًا.
وهذا له شاهد من حديث النبي ﷺ: (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، فكلما ازداد الإنسان علمًا وصلاحًا وعبادة يزداد خشية من الله ﷿؛ لأنه يعلم من صفات الله ﷿ ومن عظمته من أمور الآخرة ما يجعله يزداد خوفًا من الله ﷿.
والله تعالى حصر الخشية في العلماء، فقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:٢٨].
وقيل للشعبي: فلان عالم، قال: إنما العالم من يخشى الله.
قال: ولا يزداد صلاحًا وبرًا وعبادة إلا ازداد فرقًا، يقول: لا أنجو، والمنافق يقول: سواد الناس كثير، وسيغفر لي ولا بأس علي وينسى العمل، ويتمنى على الله تعالى.
وعن هشام بن حسان قال: سمعت الحسن يحلف بالله ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله.
وبالمقابل ما أعز أحد دين الله إلا أعزه الله، وإذا أهان دين الله ﷿ أهانه الله ﷿، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج:١٨].
وعن حزم بن أبي حزم قال: سمعت الحسن يقول: بئس الرفيقان: الدينار، والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك.
وعن أبي عبيدة الناجي عن الحسن قال: ابن آدم! ترك الخطيئة أهون عليك من معالجة التوبة، ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة أغلق دونها باب التوبة، فأنت في غير معمل.
وعن زريك بن أبي زريك قال: سمعت الحسن يقول: إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل.
يعني: من فائدة معرفة الفتنة عند إقبالها أن يعصم الإنسان منها، ولا يعرفها إلا العلماء، ولكن إذا أدبرت عرفها كل جاهل، حيث لا تفيد المعرفة.
وعن عمارة قال: كنت عند الحسن فدخل علينا فرقد، وهو يأكل خبيصًا، فقال: تعال فكل، فقال: أخاف ألا أؤدي شكره، فقال الحسن: وتؤدي شكر الماء البارد؟! ويروى أيضًا أنه وزع حلوى في مجلس الحسن فرفض أحد الجالسين وقال: لا أستطيع أن أؤدي شكرها، فقال له: كل يا أحمق! فإن شربة الماء البارد لا تستطيع أن تؤدي شكرها.
فعلى كل حال حق الله ﷿ أثقل من أن يقوم به العباد.
5 / 8