219

وهذه الآيات تتناول أفعال العباد بعمومها إلا أنه لما قام الدليل القطعي على أنها منهم، ومنه ما استدلوا به من إثابتهم وعقابهم عليها جمعوا بين الأدلة بأن جعلوا الأفعال مخلوقة لله تعالى من حيث أنه أعان عليها إن كانت حسنة، أو خذل مرتكبها إن كانت سيئة على جهة المجاز كما مر؛ لأن من أمده الله بمزيد المعونة فإنه لا يتخلف منه فعل الطاعة عادة، ومن خذله فلا بد لطموح نفسه واتباع هواه، وأن يرتكب المعصية عادة، وهذا هو الذي وكله الله إلى نفسه، والمعونة والخذلان لا يوجبان الفعل ولا يمنعان الاختيار، فكان هؤلاء الأئمة" يقولون: لا خالق إلا الله ونحوها من العبارات، وينصون على أن أفعال العباد مخلوقة لله لتلك الأدلة السابقة، وينسبون فعل العبد إلى الله تعالى لأجلها على الوجه السابق، وينسبونه إلى العبد حقيقة، وكل هذا مأخوذ من صريح كلامهم ليس فيه تعسف، ولا إخراج لكلامهم عن ظاهره، وقد عملوا فيه بظواهر القرآن وبراهين العقول، وهذه المسألة- أعني مسألة تسمية فعل العبد خلقا وتسميته خالقا - قد اختلف فيها المعتزلة، فقال أبو القاسم البلخي، وعباد الصيمري، والبغدادية: لا يجوز تسمية فعل العباد خلقا ولا تسميتهم خالقين، بل لا يسمى خالقا إلا الله تعالى، ولا يسمى خلقا إلا فعله تعالى؛ لأن الخلق هو الاختراع، فكما لا يسمى أحدنا مخترعا ولا يسمى فعله اختراعا، فكذا لا يسمى خالقا ولا يسمى فعله خلقا؛ لأن الاختراع مختص بالله تعالى، وقال أكثر المعتزلة: بل يجوز لأن الخلق هو الفعل المقدر على حسب الغرض والداعي، ولو كان كما زعم الأولون لم يصح وصف غير الله تعالى به، وقد قال تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين }[المؤمنون:14]، وقال: {وإذ تخلق من الطين }[المائدة:110].

পৃষ্ঠা ২১৯