পৃথিবীর একমাত্র পুরুষের মৃত্যু
موت الرجل الوحيد على الأرض
জনগুলি
وقال العمدة وهو ينفخ الدخان الكثيف من أنفه وفمه: نعم.
وصفق الحاج إسماعيل بيديه مهللا في سرور: إذن نشرب الشربات يا جماعة.
ودبت الحركة أمام الدكان، وبدأت الجريدة تنتقل من يد الشيخ حمزاوي إلى يد شيخ الخفر، ودخل الحاج إسماعيل إلى الدكان، ثم عاد وفي يده الزجاجة والأكواب.
لم يفهم العمدة سر اكتئابه منذ رأى صورة أخيه في الجريدة. هذا الاكتئاب يعرف مذاقه في فمه، مرارة أو ما أشبه بالمرارة، وجفافا في الحلق يعقبه حرقان في الصدر يتجمع على شكل ألم غامض، ولكنه حاد ينتشر في البطن بادئا من المعدة.
كان وهو صغير يسير إلى الحمام ويفرغ الطعام من معدته، ثم ينظر في المرآة أعلى الحوض فيرى وجهه شاحبا وشفتيه صفراوين وعينيه منكسرتين وفوقهما غشاوة. يغسل فمه بالماء ليتخلص من المرارة، وحينما يرفع رأسه مرة أخرى وينظر في المرآة، يرى وجه أخيه متورد البشرة، عيناه تلمعان بزهو بالانتصار، ويرن صوته في أذنه قائلا: «أنا ناجح وأنت فاشل»! يبصق الماء من فمه على وجه أخيه في المرآة، ويشد عضلات عنقه وظهره ويقول: «أنا أحسن منك»!
من يراه خارجا من الحمام يظن أنه هو الذي نجح، لا أخوه، وتضيع المرارة من فمه، ويعود إلى شفتيه لونهما الوردي وإلى عينيه بريقهما، ويضحك ويمرح ويقهقه، وقد يبلغ به المرح أن يداعب أمه وهي جالسة تشتغل التريكو، ويشد منها الخيط أو البكرة؛ فإذا بأمه تسلط عليه عينيها الزرقاوين الغاضبتين، وتقول بلهجتها الإنجليزية الصارمة: «أخوك أحسن منك.» وقد تسحب الجريدة من جوارها وتشير إلى اسم أخيه المنشور في إحدى الصفحات وتقول: «أخوك نجح ... أما أنت.»
تتجمد الضحكة في حلقه كالغصة، يبتلع ريقه بصعوبة، مدركا أن مرحه السابق لم يكن مرحا حقيقيا، وأن إحساسه بأنه أحسن من أخيه إحساس زائف. وتسيطر عليه حقيقة أن أخاه أحسن منه كالعرق البارد اللزج ينتشر فوق وجهه ويسيل بطيئا في أنفه وفمه، يعرف مذاقه المر، ويعرف أن المرارة ستزحف إلى صدره وبطنه، وقد يسير إلى الحمام مرة أخرى ليتقيأ أو يكتفي بالبصق عدة مرات في الحوض.
كان الحاج إسماعيل يشرب الشربات من الكوب النحاسي، حين رأى العمدة يبصق على الأرض، ثم يشد عضلات ظهره وعنقه، وتكسو عينيه الزرقاوين نظرة استعلاء وزهو، وكأنه يقول: «أنا أحسن منكم، أنحدر من أسرة راقية، أمي إنجليزية، وأخي أحد الذين يحكمون البلد!»
انكمش الحاج إسماعيل فوق الدكة الخشبية متفاديا عيني العمدة. كان ينوي أن يمزح معه، أو يروي له آخر نكتة كما كان يفعل أحيانا، لكنه نظر إلى صورة أخيه في الجريدة وهو جالس متغطرس داخل بدلة أنيقة بين كبار القوم، ثم رمق رفوف دكانه الخشبية المشققة يعلوها التراب وبضع علب من الصفيح صدئة، وانتقلت عيناه إلى عباءة العمدة الثمينة، ثم تحسس بظهر يده جلبابه الخشن.
رأى العمدة الحاج إسماعيل يرفع الكوب ويفرغ الشربات من جوفه دفعة واحدة، كأنما هو جرعة من الزيت الخروع، فضحك وضربه مداعبا على ركبته وهو يقول: أنتم يا فلاحين تشربون الشربات بالطريقة التي نشرب بها نحن الدواء.
অজানা পৃষ্ঠা