فما دامت العبارتان تتشابهان في التركيب النحوي، فقد سبق إلى ظنهم أنهما متساويتان في التركيب المنطقي كذلك، وإن كان الأمر كذلك، ثم إن كان اللون الأصفر شيئا خارجيا يضاف إلى موضوعه فيكسبه صفة ما، وقد يزول عنه فتزول عن الموضوع صفته تلك، إذن «فالخير» كذلك (أو الجمال) شيء خارجي يضاف إلى موضوعه أو يزول عنه، فيكسب موضوعه صفة أو يفقد صفة، وكما أن الإنسان لا دخل له في أن يكون الشيء أصفر، فكذلك لا دخل له في أن يكون الشيء خيرا أو جميلا، فهذا يتلقى صفة الخير وصفة الجمال من الخارج كما يتلقى صفة الاصفرار.
لكن الأمر كله - كما قلنا - مصدره قصور عن التحليل، فلو حللنا العبارة الثانية «هذا خير» إلى عناصرها فقلنا: «هذا الشيء بينه وبيني علاقة هي إحداث اللذة»؛ ظهر على الفور بأن العبارتين: (1) هذا أصفر. (2) هذا خير. وإن يكونا متشابهتين نحويا، إلا أنهما مختلفتان في البناء المنطقي، فالأولى قضية حملية تصف موضوعا بصفة قائمة فيه، والثانية قضية علاقات، تبين العلاقة بين شيئين هما: (أ) الشيء المشار إليه. (ب) أنا.
13
ومثل آخر من المشكلات الميتافيزيقية كيف تنشأ عن خطأ منطقي في فهم العبارات اللغوية، هذه التفرقة التي يجعلها الميتافيزيقيون بين «الوجود الفعلي» و«الوجود الضمني»،
14
إذ يقولون إن هنالك مرحلة بين الوجود والعدم هي مرحلة الوجود الضمني، فليست القسمة ثنائية بين ما هو موجود وما هو غير موجود، أو قل بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، بل هنالك كائنات بين بين، هي الكائنات التي ليس لها وجود فعلي، لكننا نتحدث عنها ونصفها بصفات معينة، فمثلا «العنقاء» طائر غير موجود، لكني أقول عنه: إنه طائر وإنه طويل العمر ... إلخ، فماذا أصف بهذه الصفات؟ لست أصف شيئا موجودا بين الأشياء، إذ ليس للعنقاء وجود فيشار إليه، كما يشار إلى الصقر والنسر، لكني في الوقت نفسه يستحيل أن أصف العدم بصفات إيجابية فأقول: إنه طائر وإنه طويل العمر، إذن فللعنقاء «وجود ضمني»، فلا هو موجود فعلا وحقا، ولا هو معدوم.
لكن المشكلة المزعومة هنا مصدرها خلط في التحليل المنطقي للعبارات، فلأننا نجد شبها ظاهرا في البناء النحوي بين هاتين العبارتين: (1)
العنقاوات ليست موجودة. (2)
الأنهار ليست ملحة.
ترانا نزعم أنهما شبيهتان أيضا في بنائهما المنطقي، فنظن تبعا لذلك أن كلتا العبارتين على السواء تنفيان صفة عن موصوف - أو محمولا عن موضوع لو استعملنا لغة المنطق - أما العبارة الأولى فتنفي صفة الوجود عن العنقاوات، وأما الثانية فتنفي صفة الملحية عن الأنهار، ثم نظن أيضا أن الموضوع في كلتا العبارتين يتألف من طائفة معينة من أفراد، فموضوع العبارة الأولى هو طائفة العنقاوات، وموضوع الثانية هو مجموعة الأنهار، وطائفة العنقاوات تشترك كلها في صفة عدم الوجود، كما أن مجموعة الأنهار تشترك كلها في صفة عدم ملحية مائها.
অজানা পৃষ্ঠা