10
فإن كنا قد جعلنا التحليل مهمة الفلسفة من وجهة نظر المحدثين، فكأنما أردنا أن نقول إن مهمة الفلسفة هي توضيح المعاني. يقول «شليك» نقلا عن «وتجنشتين»: «إن موضوع الفلسفة هو توضيح الأفكار توضيحا منطقيا.»
11
ويقول «رامزي»: «واجب الفلسفة أن توضح وتحدد أفكارا كانت قبل تحليلها غامضة مهوشة.»
12
فالفيلسوف التحليلي كطبيب العيون الذي يضبط الرؤية المضطربة بأن يمكن العين من تركيز المرئي في بؤرة الإبصار تركيزا صحيحا، إنه لا يخلق أمام العين مرئيا جديدا، لكنه يوضح ما هناك وكفى، وهكذا قل في فيلسوف التحليل الذي يمكننا من إدراك العبارة المراد تحليلها إدراكا أوفى وأكمل.
إننا لا نريد بالغموض الذي يزيله التحليل غموضا يكون مصدره جهل السامع بمعنى هذه الكلمة أو تلك؛ لأنه لو كان الأمر كذلك؛ لقام القاموس بالمهمة كلها، إنما نريد الغموض الناشئ من طبيعة اللغة نفسها في طريقة تركيبها للعبارات تركيبا يخفي بعض العناصر المكونة للمعنى.
خذ لذلك مثلا: إنه من الصواب أن أقول إنه ما دام الفيل حيوانا، فالفيل الأسود يكون حيوانا أسود، لكنني أخطئ إذا قست على ذلك قولي إنه ما دام الفيل حيوانا فالفيل الصغير يكون حيوانا صغيرا، ويتبين مصدر الخطأ حين نأخذ في تحليل العبارتين فنجد أنه على الرغم من التشابه بينهما في التركيب النحوي، إلا أنهما تختلفان في التركيب المنطقي، فقولي «الفيل حيوان أسود» مؤلف من عبارتين، يمكن تحقيق كل منهما على حدة، كما يمكن إثبات واحدة ونفي الأخرى أو إثباتهما معا أو نفيهما معا، والعبارتان هما: (1) الفيل حيوان. (2) الفيل أسود. فهاتان العبارتان مستقلتان، لا يتوقف صدق الواحدة أو كذبها على صدق الأخرى أو كذبها، إذ يجوز لي أن أقول مثلا: إن الفيل حيوان لكنه ليس أسود، أو إن الفيل أسود لكنه ليس حيوانا، أو أقول: إن الفيل لا هو حيوان ولا هو أسود، أو هو حيوان وأسود في آن معا.
لكن ما هكذا تتركب العبارة الثانية «الفيل حيوان صغير»، إذ يتألف بناؤها من قضيتين أيضا، لكنهما مختلفتان نوعا، وهما: (1) الفيل حيوان. (2) الفيل أصغر من متوسط الفيلة. وهذه القضية الثانية - كما ترى - قضية علاقات، وليست - مثل الأولى - قضية حملية، أعني أنها لا تصف الفيل بصفة قائمة فيه، بل تنسبه إلى أفراد أخرى من مجموعة معينة نسبة تبين علاقته بها، وإلا فلو حللنا عبارة «الفيل حيوان صغير» إلى عبارتين هما: «الفيل حيوان» و«الفيل صغير»؛ لجاءت العبارة الثانية منهما بغير معنى، إذ الصغر والكبر لا يكونان إلا بنسبة شيء إلى شيء آخر، فإما أن يساويه أو يصغر عنه أو يكبر، ولو تركنا العبارة مهملة بغير تحديد، على أساس أننا ننسب الفيل إلى سائر الحيوان، لما كان صوابا أن الفيل صغير بالنسبة لسائر الحيوان، وإن يكن صغيرا بالنسبة لسائر الفيلة.
وخذ هذا المثل السابق بعد تحليله، وانتقل إلى أصحابنا الميتافيزيقيين؛ لترى كيف تتألف مشكلاتهم الكبرى من قصورهم عن أمثال هذا التحليل المنطقي لعباراتهم، فمثلا مشكلة القيم الأخلاقية والجمالية - هل هي ذاتية أو موضوعية؟ - قد نشأت كلها من الظن بأن هاتين العبارتين متساويتان: (1) هذا أصفر. (2) هذا خير.
অজানা পৃষ্ঠা