وإذا وجبت صلاة الجماعة، فكل مسلم يحسن الصلاة يجوز له أن يؤم المصلين حيث اجتمعوا، ولا يشترط اجتماعهم في مسجد معلوم.
ويحتاج المسلمون إلى الحاكم لتوقيت شهر الصيام، ولكنهم يحتاجون إليه لأن وسائل الرصد والتعميم تتيسر له حيث لا تتيسر لكل فرد من أفرادهم، شأنه - فيما عدا ذلك - كشأن جميع المسلمين. •••
وإذا حج المسلم إلى بيت الله فليس في بيت الله كاهن يقدم له قربانه، أو يملي عليه شعائره، وإنما يقرب لنفسه ويقوم بشعائره لنفسه، فإن جهل حكما من أحكام الحج فإنما يسأل عنه سؤال المتعلم للمعلم، ولا يحتاج في قبوله إلى وساطة من وسيط.
ويصح للمسلم أن يؤدي زكاته، كما يصح له أن يسلمها لولي الأمر ليجمعها ويفرقها على مستحقيها، ولا عمل له فيها يتمم به الفريضة بعد أدائها.
هذه الفرائض التي تنزهت عن الوساطة بين الإنسان وربه قد تفهم على أنها مصادفات متكررة على صعوبة التكرار والتوافق بين هذه المصادفات، لولا أنها متممة مستوفاة بعقيدة التنزيه التي ارتفعت إلى غايتها في الإسلام، فالإله في العقيدة الإسلامية منزه عن المشابهة والمقارنة والرمز والمحاكاة، وليس كمثله شيء، ولا وسيلة لإنسان إلى رؤيته من حيث لا يراه الآخرون. •••
ومن العسير على بعض المشتغلين بالمقارنة بين الأديان من الغربيين أن يدينوا للإسلام بهذا التقدم الكبير في تنزيه العقيدة، وتنزيه الفكرة الإلهية، وأيسر من ذلك عليهم أن يحسبوه ضرورة من ضرورات النشأة في الصحراء، حيث يتعود الحس التجريد، ولا يرمز إلى الفخامة بروعة البناء.
ولكن العقائد الدينية نشأت في صحراء العرب وفي غيرها من الصحاري قبل الإسلام، ولم تنشأ في إحدى هذه الصحاري مجردة من شوائب الوثنية والطوطمية، وضروب الكهانات والوساطات بين الإنسان وطبقات من الأرباب دون مقام الإله الواحد المنزه عن الأشباه والنظراء، وكانت الكعبة في مكة ملأى بالأصنام والأوثان يتخذونها - كما يقولون - لتقربهم إلى الله زلفى، ولا يحسون أنها تناقض طبيعتهم الصحراوية في التدين والعبادة.
ومما فات أصحاب المقارنات أن يذكروه في هذا الصدد: أن الأمم التي تدين لسلطان الهياكل، وتقدر على تفخيم البناء، إنما كانت تثوب إلى هيكل واحد تتبعه سائر الهياكل، ويستأثر كاهنه الأعلى بالوساطة بين أتباعه وبين الله، ويضفي من قداسته ما يشاء على ما يشاء، فإذا وجد في الصحراء هيكلا متفقا عليه بين القبائل؛ فهو أحرى أن يمتاز بالتعظيم والتقديس، وأن تحيطه الندرة برعاية خاصة لا تظفر بها المعابد حيث يكثر البناء.
وأولى من ذلك بالتنبيه أن الإسلام يحارب كل سيطرة توجد في الهياكل، أو توجد في صوامع الصحراء وخيامها، وفي التوابيت التي تحمل من مكان إلى مكان كتابوت بني إسرائيل؛ لأنها سيطرة الكهان والرهبان التي تسلط الناس على رقاب الناس باسم الدين
يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله [التوبة: 34].
অজানা পৃষ্ঠা