قلنا: وهذا أيضا لا ينجيك، حتى ترجع عن المقالة بأسرها، فان حرمة أكل المال بالباطل معلوم بالأدلة القاطعة من الشريعة، بل بالضرورة الدينية، لم تختلف فيها ملة من الملل، ولا قال بخلاف ذلك أحد من أهل النحل. وقد صرحت أيها المملي في آخر كلامك، أن من أحل ما دل على تحريمه القاطع فقد كفر، ولا تمتري أنت وغيرك في أن من شك في كفر هذا فهو مثله. وما لم يثبت من هذه الجنايات على صاحبه، فأخذ المال فيه أيضا أكل للمال بالباطل، لأن الباطل ما ليس بحق، وكل ما لم يثبت فليس بحق، لأن الحق عبارة عن الثابت باتفاق علماء اللسان والشريعة. فنقول: أن أخذ المال فيما لم يثبت من الجنايات أخذ له بما ليس بحق، وكل أكل للمال بما ليس بحق، فهو أكل للمال بالباطل، وكل أكل للمال بالباطل، فهو محرم قطعا وضرورة، فأخذ المال فيما لم يثبت من الجنايات محرم قطعا وضرورة، وكل من أحل ما هو محرم قطعا وضرورة فقد كفر. فمن أحل أخذ مال الجاني الذي لم يثبت جنايته فقد كفر. ولذلك حكم الله على بني اسرائيل بالكفر والفسق والظلم، حيث اجتهدوا فيما يعاقبون به الجاني، غير ما شرع الله لهم. وقد بين لك مما سبق، أن اجتهادهم أقرب من اجتهاد من أراد أن يشرع الزجر بالمال. وهذه جزئية ما اشتمل عليه قوله صلى الله علية وسلم: "لتتبعن سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"(¬1). فصل الله على هذا النبي الشريف، الذي لا تنقطع على مدى الدهر معجزاته، ولا تنقضي آياته.
পৃষ্ঠা ১০৩