122

وادحض مستحلى ارتضاعها، فارتدى لباس الزهادة فيها وامتطى مطا الرغبة عنها فصار زهده فيها شعارا مدركا بالأبصار، وأثرا حقيقيا لا يقابل دعوى وجوده بالإنكار، حتى تواترت منه متون الاخبار وتجاهرت به أقوال أئمة الأمصار.

فمنها أن ابن النباح خازن بيت المال جاءه يوما فقال: يا أمير المؤمنين قد امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال ((عليه السلام)):

الله أكبر ثم قام متوكئا على الخازن حتى قام على بيت المال فقال:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

يا بن النباح علي بأسباع الكوفة، فنودي في الناس فاعطى الناس ووضع الحقوق في مقارها وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري، ها وها حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه، وقام فصلى فيه ركعتين وانصرف إلى مكانه كما جاء منه لم يصحبه منه شيء.

قال مجمع التيمي: كان علي بن أبي طالب ((عليه السلام)) يكنس بيت المال ويصلي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

ومنها أن هارون بن عنترة قال: قال لي أبي: دخلت على أمير المؤمنين علي ((عليه السلام)) بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يعم وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال: والله ما أرزأكم من مالكم شيئا وإن هذه لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها.

ونقل أن معاوية قال بعد موت علي ((عليه السلام)) لضرار بن صرد: صف لي عليا ((عليه السلام)) فقال: أو تعفيني قال: بل صفه قال: أو تعفيني قال: لا أعفيك قال: أما إذ لا بد فأقول ما أعلمه منه: والله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس

পৃষ্ঠা ১৩১