من الهيئة ، لا في جميع حدود البشرية ، ولكنه في المنظر والرؤية (1)، فقال سبحانه : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) (9) [الأنعام : 9] ، يقول سبحانه ولو فعلنا ذلك به فجعلناه رجلا كما يعرفون ، لزادهم ذلك لبسا إلى لبسهم ، ولما أيقنوا أنه ملك في أنفسهم ، ولو نزلنا عليه الملك على حاله ملكا ، لما كان أحد منهم معاينا له ولا مدركا ، إلا أن يأتيهم من الصورة وهيئتها في مثل لباسهم منها ، فيرونه ويدركونه بمثل دركهم [و] رؤيتهم لها (2)، وإلا لم يروه ولم يعاينوه أبدا ، وكيف يرون من كان من الملائكة ولم يروا قط من الجن أحدا ، والجن في احتجابها عنهم أقرب إليهم قربا ، والملائكة أبعد عنهم مكانا ومحتجبا.
وليس يعاين أبدا من الملائكة الحضرة ، إلا عند الموت الذي ليس بعده تأخير ولا نظرة ، حين يكشف عن المحظور الغطاء ، ويزول عنه الأخذ والإعطاء ، فيرى من الحضرة ما لم ير ، ويحدث الله له عند المعاينة لهم بصرا ، فيعاينهم عند الموت وفي غمراته ، وعند ما وقع فيه من غصصه وسكراته ، كما قال الله سبحانه : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) (19) [ق : 19] ، وقد قال في الموت وما بعده من البعث : ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) (22) [ق : 22] ، وكما قال سبحانه : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ) [الأنعام : 93] ، فالملائكة هم الذين يبسطون أيديهم ويقولون : ( أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) (93) [الأنعام : 93].
وقلت : أرأيت لو جعل الله الملك رجلا ، ومن كانت الرسل تراه من الملائكة قبلا ، أهم في تلك الحال والهيئة والصورة ملائكة أم رجال؟ بل هم في تلك ملائكة وإن انصرفت بهم الهيئة والأحوال ، ألا ترى أن الذهب والنحاس ، وإن لم يكونا هم الناس
পৃষ্ঠা ৫৮৬