وأما الخدع من الله لمن خادع الله والاختداع ، فليس في القول به على الله جل جلاله عيب ولا شناع ، وفيه ما يقول الله سبحانه : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) [النساء : 142] ولم يقل جل ثناؤه وهو مخادعهم.
وأما مكر الله واستهزاؤه ، فهو : استدراج الله وإملاؤه. ومكر من كفر بالله ربه ، فإنما هو احتياله على الذين يكذبونه في وحيه ، واستهزاء من كفر بالحق والمحقين ، فيشبهه كذبا في القول والفعل بالمتقين.
فمتى قيل أبدا للمبطلين : خادعوا ومكروا ، فإنما يراد به فيهم كذبوا وكفروا ، وأظهروا خلاف ما أبطنوا وأسروا.
ومتى قيل لهم استهزءوا وسخروا ، فإنما يراد به فيهم تلعبوا وبطروا ، [و] في ذلك ما يقول الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (63) [الأنفال : 61 63].
يقول سبحانه : وإن يريدوا أن يخدعوك ، فيمكروا بالكذب فيما أعطوك ، فيعطوك المسالمة كذبا ، ويكذبوك بالمخادعة تلعبا ، فحسبك في ذلك بتأييد الله ونصره ، وبما ألف من قلوب المؤمنين على دينه وأمره ، وإذا كان استهزاؤهم ومكرهم إنما هو إخفاؤهم ما يخفون ، وسترهم من أمرهم لما يسترون ، وأمور الله أستر وأبطن ، وأخفى عنهم وأكن ، وذلك فقد يكون مكرا من الله بهم واستهزاء ، واختداعا من الله لهم صاغرين وإخزاء ، وبذلك كان الله خادعا لمن خادعه لا مخادعا ولا مخدوعا ، وكان قلب من خادعه سبحانه من العلم بمكر الله به مقفلا مطبوعا ، ليس فيه لله حذار ، ولا عن منكره ازدجار ، حتى يدهاه من أخذ الله دواهيه ، ولا يوقن أن شيئا منها يأتيه ، كما قال سبحانه : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) (54) [آل عمران : 54] وقال جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون (50) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) (51) [النمل : 50 51].
পৃষ্ঠা ৫৭২