فقال: إنه متعصب بلا شك، ومشتعل في مناقشته، ولكن أعصابه لم تفسد بهذه الصورة إلا بعد تجربة الاعتقال.
وبمزيد من الاختلاط به عرفت زوجته وهي دكتورة في الاقتصاد أيضا، ومدرسة بكلية التجارة ومثال مشرف للمرأة المصرية. وعرفت له أسلوبا في الحياة يعتبر غريبا في عصرنا، فهو يميل إلى التقشف في ملبسه وطعامه الذي يشبه الرجيم، وإلى ذلك فهو لا يدخن ولا يذوق الخمر، وقد قال لي مرة: لم أعرف المرأة قبل الزواج، وقاومت جميع المغريات وأنا طالب في البعثة!
وأدهشني أن يصوم في رمضان رغم إيمانه الكامل بالمادية الجدلية وسألته: ما معنى ذلك؟
فضحك قائلا: كان أبي عاملا بسيطا، وكان متدينا، فربانا تربية دينية شاملة فنشأت في أحضان الأخلاق الإسلامية، ولم أستطع بعد ذلك التخلي عنها إلا فيما يناقض عقيدتي الجديدة، وكان الصيام فيما استبقيت من العادات القديمة، فهو رياضة تناسب سلوكي تماما.
وتفكر قليلا ثم قال: العظمة الحقيقية للدين لا تتجلى إلا عندما تعتبره لا دينا!
وذكرني في الحال بالحاج زهران حسونة، فذهلت للفارق الهائل بينهما مثل الفارق بين ملاك وشيطان، وقلت له: لا يمكن أن تخلو حياتنا من تناقضات كثيرة. - المهم أن نعمل للمستقبل. - وطبعا أنت تؤمن بالشيوعية؟ - ذلك حق.
فسألته باسما: أتعتبر نفسك مخلصا للثورة التي تعمل في جهازها؟
فقال بوضوح وقوة: خلقت لأعبد العمل وأخلص له. - إني أسأل عن إخلاصك للثورة؟
فأخذ شهيقا عميقا كأنه الترجمة الجسمانية لتفكيره وقال: لم أكن في يوم من الأيام ذا وجهين، وما دمت قد قبلت العمل في جهازها فأنا مخلص لها.
فقلت باسما: هذا هو الجواب الذي أسأل عنه، ولكن ينقصه شيء ما! - عظيم، أنا مخلص لها ولكني غير مؤمن بها، أو غير مؤمن بها إيمانا كاملا، حسبي في الوقت الراهن أنها تمهد السبيل إلى الثورة الحقيقية!
অজানা পৃষ্ঠা