إبراهيم عقل
أحمد قدري
أماني محمد
أنور الحلواني
بدر الزيادي
بلال عبده البسيوني
ثريا رأفت
جاد أبو العلا
جعفر خليل
حنان مصطفى
অজানা পৃষ্ঠা
خليل زكي
درية سالم
رضا حمادة
زهران حسونة
زهير كامل
سابا رمزي
سالم جبر
سرور عبد الباقي
سعاد وهبي
سيد شعير
অজানা পৃষ্ঠা
شرارة النحال
شعراوي الفحام
صادق عبد الحميد
صبري جاد
صفاء الكاتب
صقر المنوفي
صبرية الحشمة
طنطاوي إسماعيل
طه عنان
عباس فوزي
অজানা পৃষ্ঠা
عدلي المؤذن
عبد الرحمن شعبان
عبد الوهاب إسماعيل
عبدة سليمان
عجلان ثابت
عدلي بركات
عزمي شاكر
عزيزة عبده
عشماوي جلال
عصام الحملاوي
অজানা পৃষ্ঠা
عيد منصور
غانم حافظ
فايزة نصار
فتحي أنيس
قدري رزق
كامل رمزي
كاميليا زهران
ماهر عبد الكريم
محمود درويش
مجيدة عبد الرازق
অজানা পৃষ্ঠা
ناجي مرقص
نادر برهان
هجار المنياوي
وداد رشدي
يسرية بشير
إبراهيم عقل
أحمد قدري
أماني محمد
أنور الحلواني
بدر الزيادي
অজানা পৃষ্ঠা
بلال عبده البسيوني
ثريا رأفت
جاد أبو العلا
جعفر خليل
حنان مصطفى
خليل زكي
درية سالم
رضا حمادة
زهران حسونة
زهير كامل
অজানা পৃষ্ঠা
سابا رمزي
سالم جبر
سرور عبد الباقي
سعاد وهبي
سيد شعير
شرارة النحال
شعراوي الفحام
صادق عبد الحميد
صبري جاد
صفاء الكاتب
অজানা পৃষ্ঠা
صقر المنوفي
صبرية الحشمة
طنطاوي إسماعيل
طه عنان
عباس فوزي
عدلي المؤذن
عبد الرحمن شعبان
عبد الوهاب إسماعيل
عبدة سليمان
عجلان ثابت
অজানা পৃষ্ঠা
عدلي بركات
عزمي شاكر
عزيزة عبده
عشماوي جلال
عصام الحملاوي
عيد منصور
غانم حافظ
فايزة نصار
فتحي أنيس
قدري رزق
অজানা পৃষ্ঠা
كامل رمزي
كاميليا زهران
ماهر عبد الكريم
محمود درويش
مجيدة عبد الرازق
ناجي مرقص
نادر برهان
هجار المنياوي
وداد رشدي
يسرية بشير
অজানা পৃষ্ঠা
المرايا
المرايا
تأليف
نجيب محفوظ
إبراهيم عقل
سمعت أول ما سمعت عن الدكتور إبراهيم عقل في مقالة للأستاذ سالم جبر. لا فكرة لي الآن عن موضوع المقالة، ولكنه ذكر في سياقها الدكتور إبراهيم عقل، باعتباره عقلا فذا، بشر في وقت ما بثورة فكرية في حياتنا الثقافية، لولا وشاية حقيرة أجهضته قبل أن يقف على قدميه، رددها شخص لا أخلاق له، زاعما بأنه - الدكتور إبراهيم - طعن في الإسلام ضمن رسالة الدكتوراه التي قدمها للسربون. وشن على الدكتور هجوم ناري في عديد من الصحف والمجلات، فاتهموه بالإلحاد، وتبني آراء المستشرقين المبشرين لنيل الدكتوراه على حساب دينه وقومه، ثم طالبوا بفصله من الجامعة. واهتز الدكتور من جذوره حيال الحملة العاتية، ولم يكن ذا طبيعة مقاتلة ولا قبل له بتحدي الرأي العام، فضلا عن حرصه عن وظيفته وشدة حاجته إليها، فأنكر التهمة، ودافع عن عقيدته، وتوسل بكثيرين - على رأسهم صديقه وزميله في هيئة التدريس الدكتور ماهر عبد الكريم - لإخماد الفتنة واسترضاء مؤججيها. ولما التحقت بالجامعة عام 1930 وجدته أستاذا مساعدا بها. والظاهر أن المحنة التي مر بها علمته كيف يركز نشاطه في دروسه الجامعية، وينسحب من الحياة الفكرية خارج جدران الكلية. ولاحظنا أن همته يطويها الفتور والملال، وأن دروسه أقرب إلى التوجيهات العامة منها إلى المحاضرات الدسمة التي يلقيها علينا زملاؤه، رغم ما تمتع به من صحة وحيوية، ونضج تربع فوق الأربعين من العمر. وما لبث أن انقلب في مجالسنا نادرة ودعابة. ومرة سألته في أثناء مناقشة بقاعة المحاضرات: لم لم تؤلف كتبا يا دكتور؟
فرماني بنظرة متعالية وقال بصوته الجهوري: أتظن أن عالم الكتب في حاجة إلى مزيد؟
وجعل يهز رأسه الكبير فوق قامته المديدة، ثم قال: لو فرشنا بالكتب سطح الأرض لغطته مرتين!
ثم بامتعاض وازدراء: ومع ذلك فلو عددنا الكتب المتضمنة جديدا من الفكر لما غطت سطح زقاق!
ولم يكن من النادر أن ألقاه في صالون الدكتور ماهر عبد الكريم بقصره الكبير في المنيرة. وما أكثر من عرفت من أهل الفكر في ذلك الصالون العتيد، وما زلت حتى اليوم أتردد عليه، وإن تغير مكانه وزمانه، وثمة ذكرى لاجتماع فيه ترد على الخاطر بوضوح ويسر، كلما استدعتها الظروف والأحوال. ولعل الدكتور إبراهيم عقل كان أقرب الحاضرين تجانسا مع البهو الكلاسيكي الفخم بجسمه العملاق ومهابته الطبيعية، ونظرته الزرقاء الذكية، وعلى غير المألوف خاض الحديث في شئون السياسة. وكنا نتجنبها إكراما لأستاذنا صاحب الصالون؛ لعلمنا المسبق بنفوره من الأحاديث الانفعالية، ولكونه من المنتمين إلى الحزب الوطني بحكم أسرته ونشأته على حين أن تلاميذه جميعا كانوا من شباب الوفد. غير أن الانقلاب الذي قام به إسماعيل صدقي في ذلك التاريخ طوق المشاعر، وضغط على الأفكار؛ فلم يكن من اليسير تجاهله. وتكلم كثير من الطلبة الحاضرين حتى قال الدكتور إبراهيم عقل: إن حياتنا الدستورية مكسب، ولكنها في الوقت نفسه فخ!
অজানা পৃষ্ঠা
فتحفز الشبان للنضال، ولكنه قال: انحرف الجهاد الوطني عن غايته الأولى، غرقنا في معاركنا الحزبية، ولدى كل انقلاب يحدث رد فعل فظيع في العلاقات والأخلاق، ويوما بعد يوم يتفتت البناء الشامخ الذي ورثناه عن ثورة 1919.
فقال أحد أفراد مجموعتنا الشابة: بناء الشعب غير قابل للتفتت.
ابتسم أستاذنا ماهر عبد الكريم، وتفكر قليلا، ثم قال بصوته الناعم الهامس: شعبنا مثل الوحش المذكور في بعض الأساطير الشعبية يستيقظ أياما، ثم ينام أجيالا.
فعاد الدكتور إبراهيم عقل يقول: لن نضار البتة إذا استمسكنا بالمثل العليا.
وجعل ينقل عينيه الزرقاوين بين وجوهنا المتحفزة، ثم كرر بنبرة منغومة: المثل العليا ... المثل العليا.
وكان يرددها كثيرا في محاضراته عن الأخلاق حتى أطلق عليه زميلنا عجلان ثابت «دكتور مثل عليا».
ولعل الدكتور تذكر موجة الإلحاد التي كانت تجتاح الكلية في ذلك الوقت فقال: أرجو ألا تعتبروا المثل العليا نتيجة لعقيدة دينية، اعتبروها إذا شئتم المنبع الذي تدفقت منه العقيدة نفسها.
فقال شيخ أزهري لا يحضرني اسمه الآن: السياسة ترمي بنا كل يوم في محنة جديدة.
فقال الدكتور إبراهيم عقل بإصرار: المثل العليا، حسبنا أن تبقى لنا.
فقال الأستاذ سالم جبر، وهو غائص بجسمه البدين في فوتيل وثير: يا سيدي الدكتور ما الأخلاق إلا علاقات اجتماعية، وعلينا أن نغير المجتمع.
অজানা পৃষ্ঠা
فسأله بهدوء: أقرأت كتاب برجسون عن أصل الأخلاق والدين؟
فقال سالم جبر باستهانة: إني أقرأ برجسون كما أقرأ قصيدة حالمة!
فقال له الدكتور ماهر عبد الكريم: إنك يا أستاذ تحلم بثورة كالتي قامت في روسيا منذ أربعة عشر عاما، وهي تتكشف كل يوم عن مضاعفات خطيرة.
فقال سالم جبر بحدة: نحن لا نعرف عن روسيا إلا ما نقرؤه في صحف الغرب وكتبه.
وحلت هدنة ريثما نشرب أقداح القرفة، وننعم بحشوها الطيب من البندق واللوز والجوز. ثم خرق الهدنة شاب قائلا: لا حل إلا القضاء على أحزاب الأقلية الطامعة في الحكم.
فقال سالم جبر: هذه ترجمة ركيكة لصراع الطبقات.
ولكن الدكتور إبراهيم عقل قال: إن رئيس الوزراء يزعم أنه يسعى للحصول على الاستقلال فلندعه يسع! - وإن فرض علينا معاهدة مثل تصريح 28 فبراير؟
فقال الدكتور بشيء من العنف: الاستقلال الحقيقي في المثل العليا وبنك مصر!
طالما عذبني التناقض بين تناول الأوساط الشعبية للسياسة، وتناولها في الأوساط الثقافية الرفيعة، فهي هناك انفعال مضطرم سرعان ما يسيل دما، وهي هنا مناقشات متفلسفة لا تخلو من تثبيط للهمم وتخييب للآمال.
فكرت في ذلك ونحن راجعون من قصر المنيرة، وتبادلنا الآراء في سرعة محمومة: لا بد من ثورة! - أيكفي الإضراب لإشعال ثورة؟ - هكذا قامت ثورة 1919 فيما يقال. - كيف قامت ثورة 1919؟ - ما أقربها وما أبعدها!
অজানা পৃষ্ঠা
وفي صيف ذلك العام قابلت الدكتور - كان بصحبته أسرته المكونة من زوجة وغلامين - في كازينو الأنفوشي بالإسكندرية. كنت أجلس هناك في الصباح - عقب الاستحمام - فأشرب القهوة وأقرأ الصحف، وأشاهد في الوقت نفسه ما يجري على مسرح الكازينو من بروفات للعروض المسائية، رغم نفوري الطبيعي من الغناء الإفرنجي.
وقدمنا الدكتور إلى حرمه، وأظنها كانت مفتشة بوزارة المعارف. ولاحظت بسرور غرامه الأبوي بابنيه، وملاطفاته لهما مما دعا زوجه لإعلان استنكارها لتدليله لهما. واستمالني لأول مرة بعواطفه الأبوية، فلم أكن أكن له احتراما يذكر لعزوفه عن التأليف، ولعدم إخلاصه في عمله. وما أعجبني فيه إلا منظره وخفة روحه، وسخريته المموهة بالتفلسف، وسألني: أتستحم عادة في الأنفوشي؟
فأجبت: إن أمواجه أهدأ بكثير من الشاطبي. - عندما يتم بناء الكورنيش سيتغير وجه الإسكندرية.
فوافقته على قوله فقال باسما: ولكنكم تكرهون إسماعيل صدقي!
فقلت وأنا أداري العواطف المريرة التي استفزها ذلك الاسم: ليس بالكورنيش وحده يحيا الإنسان.
فضحك قائلا: لا يوجد مثل السياسة مفسدة للتفكير البشري.
ثم أشار إلى زوجه وقال: والدتها - حماتي - عضوة في اللجنة الوفدية للسيدات.
فرمقت السيدة بامتنان إكراما لوالدتها.
وفي مطلع العام الدراسي، تولى الدكتور إبراهيم عقل منصبا جامعيا كبيرا، ولكنه اغتال في سبيله جميع مثله العليا. كانت الهتافات العدائية للسراي تتردد في جنبات الوادي، ونشرت جريدة "التيمز" أن مظاهرة في أسوان هتفت لمصطفى النحاس رئيسا للجمهورية، وانقسمت البلاد إلى أقلية موالية للملك، وأغلبية معادية تكاد تجهر بعدائها. وإذا بالدكتور إبراهيم عقل ينشر مقالة في الأهرام، يدعو فيها للولاء لصاحب العرش، وينوه بأيادي أسرته على نهضة البلاد، وبخاصة محمد علي وإسماعيل. كانت أزمة تهاوت فيها القيم إلى الحضيض، وتقوضت كرامات الكثيرين من الرجال، ورمى الأبرياء المهزلة بأعين حمراء، ولكن حتى صفوفهم لم تبرأ من فساد. عصر الزلازل والبراكين المتفجرة. عصر إحباط الأحلام وانبعاث شياطين الانتهازية، والجريمة. عصر الشهداء من جميع الطبقات، وظل الدكتور يخطر بيننا، متظاهرا بالثبات والشجاعة، يطالعنا بنظرات متحدية تخفي في أعماقها إحساسا بالهزيمة والذنب. وكنا نلقاه بالاحترام اللائق بمركزه، على حين نضمر له الاستهانة والسخرية؛ الاستهانة والسخرية أجل، لا البغضاء ولا الرغبة في القتل، كما شعرنا بهما نحو كثيرين من رجال السياسة. لم تكن شخصيته تثير شيئا من ذلك، وكان لخفة روحه ومناوراته البهلوانية خليقا بأن يتبدى لنا مهرجا أو دجالا لا شريرا أو سفاكا للدماء، أو عدوا حقيقيا للشعب.
وفي اليوم الأخير للدراسة، ونحن ذاهبون لعطلة قصيرة نتقدم بعدها لامتحان الليسانس، دعانا إلى الاجتماع به في مكتبه. كنا عشرة ذكور، هم طلاب الليسانس للقسم الذي يرأسه إلى جانب منصبه العام.
অজানা পৃষ্ঠা
أجلسنا أمام مكتبه، وراح ينقل بين وجوهنا عينيه الزرقاوين مطيلا الصمت والتأمل، وابتسم وهو يهز رأسه في تعال ساخر، وقال: نحن على وشك الفراق ولا يجوز الفراق بلا كلمة.
وعاد ينقل بصره بيننا مواصلا هز رأسه، ثم قال: طالما خمنت ما دار بنفوسكم يوما، ولكن ليس الأمر كما توهمتم!
ها هو يطرق الموضوع بعد صمت طويل، صمت طويل جدا، ولكن علينا أن نلزم أنفسنا الأدب والحذر، علينا أن نذكر أننا سنمتحن في كل مادة تحريريا وشفويا معا، وعلينا أن نذكر أن من حق مجلس القسم تعديل نتيجة الامتحان - بصرف النظر عن الدرجات الحاصل عليها الطالب - لنتفق مع مستواه العام كما يقرره الأساتذة. كل ذلك يضعنا تحت رحمته بلا مراجع ولا معقب. وواصل حديثه قائلا: المسألة أنني وجدت أناسا يخطبون وأناسا يعملون؛ فاخترت الانضمام إلى العاملين، وكلنا في النهاية مصريون.
ولذنا بالصمت إلا واحدا فقال بجرأة: إن من يخطب مطالبا بالاستقلال والدستور خير ممن يبني الكورنيش ويسفك الدماء.
كان القائل يدعى إسحاق بقطر، وكان الغني الوحيد فينا، وكان سيمضي عقب الامتحان إلى مزرعته عند مشارف القاهرة لزراعة أفخر أنواع الزهور، ولم يغضب الدكتور إبراهيم عقل، ابتسم وقال بشيء من الأسى: ليس كالسياسة مفسدة للعقل.
ثم بنبرة تشي بالرجاء: الحقيقة، اعبدوا الحقيقة عبادة، ليس ثمة ما هو أثمن ولا أجل منها في الوجود، اعبدوها واكفروا بأي شيء يتهددها بالفساد.
ظللنا ملازمين الصمت، متذكرين الامتحان الشفوي، وحق مجلس القسم، أما هو فعاد يقول: لن أناقش بقطر، لن أتفوه بكلمة في السياسة، إنما دعوتكم لنلقي نظرة معا على المستقبل.
فانتشر الارتياح في نفوسنا كالضوء، نجونا من مزالق السياسة، وها هو يفتح باب المستقبل الذي نرقبه بوجوم قاتم، مذ صدرت القرارات الوزارية بوقف التعيينات والترقيات والعلاوات، لأجل غير مسمى. ماذا بقي لنا من أمل؟ وماذا عند أساتذتنا من وعود؟ قال: هذه أيام أزمة، أزمة تطحن العالم كله، وليست خاصة ببلادنا كما يصور البعض، ماذا أنتم فاعلون؟!
وسكت قليلا ثم قال: لن تجدوا وظيفة بالسرعة المطلوبة، ولن تكونوا أسرة في أجل قريب، وربما تفاوتت بينكم الحظوظ.
وتلقى نظراتنا التي أطفأ نورها الفتور بابتسام، وقال: حتى الفرص الضعيفة التي يفوز بها الطبيب، أو المهندس، أو الحقوقي في الميدان الحر، حتى هذه الفرص لا نصيب لكم فيها، ولكن يبقى لكم شيء هام، جوهرة لم يتعود أحد أن يتحلى بها بعد!
অজানা পৃষ্ঠা
فاشتعلت أعيننا بالاهتمام مرة أخرى، فواصل حديثه قائلا: أمامكم طريق الحقيقة والقيم!
تذكر كل منا آله وحبيبته، والآمال المعقودة على الوظيفة المنتظرة، أما هو فقال: تخففوا من غلواء الطموح الدنيوي، وارضوا من الدنيا بما تجود به، أما الشوق للحقيقة فلا ترسموا له حدا!
ترى أدعانا الرجل ليعذبنا ويسخر منا؟ - إن الجلوس تحت شجرة في يوم صاف خير من امتلاك عزبة.
أنت تقول ذلك يا من بعت جميع القيم من أجل ... - إن حكمة الحياة هي أثمن ما نفوز به من دنيانا ذات الأيام المعدودات.
وما غادرنا الكلية حتى انفجرنا ضاحكين من عنف المفارقة واليأس، واستبقنا إلى نعته بكل قبيح: الوغد. - المهرج. - الدجال.
ومنذ تخرجنا في الكلية انقضى زمن طويل لم أره فيه مرة واحدة، غاب عن عيني كما غاب عن وعيي؛ إلا في النادر من المناسبات، وكان يتجنب صالون الدكتور ماهر عبد الكريم منذ وثوبه الانتهازي إلى الوظيفة الكبيرة أن يتعرض لهجوم بعض المتطرفين؛ فاقتصرت مقابلاته لصديقه على الزيارات الخاصة، لذلك مرت ثلاثة عشر عاما دون أن أراه حتى عرضت مناسبة غير سارة، بل مناسبة مؤسفة غاية الأسف؛ إذ فقد ابنيه الوحيدين في وباء الكوليرا الذي اجتاح البلاد عام 1947. عانيت صدمة وأنا أتلقى الخبر، ورجعت بي الذاكرة إلى كازينو الأنفوشي وهو يلاعب الغلامين، يا لها من ذكرى ويا لها من نهاية. وذهبت إلى الجيزة للاشتراك في تشييع الجنازة، جنازة مؤثرة مفعمة بالأشجان، وسار الرجل وراء النعشين بقامته الطويلة كأنها صورة ناطقة لليأس الأعمى، ولا أظنه عرفني، وأنا أقدم له العزاء، لم يتلفت إلى أحد، ولم يهتم بشيء مما يدور حوله، ولكن عندما تقدم الدكتور ماهر عبد الكريم لتعزيته خفض جفنيه على دمع تفجر رغم إصراره على الظهور بمظهر الثبات والصبر، وعند منتصف الليل دعاني الدكتور ماهر عبد الكريم إلى مرافقته في سيارته إلى المدينة، وفي أثناء الطريق تمتم بعطف: الله معه، إنها كارثة لا تحتمل.
فوافقته على رأيه، وكنت في الحقيقة متأثرا جدا فعاد يقول: ولكن حديثه أقلقني!
فسألته عما أقلقه فأجاب: جعل يقول بنبرة متهدجة إن الموت جميل، وإنه مظلوم، وإنه لولاه لما كانت للحياة قيمة.
فصمت متفكرا فعاد أستاذي يقول: الله معه.
غاب الدكتور إبراهيم عقل عن عيني مرة أخرى، وإن لم تغب عني مأساته طويلا، وفي صالون قصر المنيرة علمت بما طرأ عليه من أحوال في الأعوام التالية للحادث، قيل إنه أصبح يرى كثيرا في جامع الحسين، وإنه يمضي الساعات متربعا أمام المقام، وفي كلمة أنه يتدروش ويسلم للإيمان تسليما بلا قيد ولا شرط. وأثار مسلكه الكثير من الجدل عن الإيمان بصفة عامة، والإيمان بالنشأة، والإيمان بالاقتناع، والإيمان بسبب الكوارث، وإيمان الفلاسفة، وإيمان العجائز، وكان ماهر عبد الكريم يفند كل حجة يأنس منها هجوما، ولو من بعيد على مسلك صديقه القديم، وفي عام 1950 ترك الدكتور إبراهيم عقل الخدمة لبلوغه السن القانونية؛ فتفرغ تماما للدروشة، وفي يوم من عام 1953 صادفته أمام الباب الأخضر بحي الحسين - ذاهبا أو راجعا من الجامع لا أدري - فجذبتني طلعته المهيبة المجللة بالمشيب. واقتربت منه مادا يدي للمصافحة فصافحني وهو يحدجني بنظرة لا يلوح فيها أنه عرفني، فلما ذكرته بنفسي هتف بصوته الجهوري: أنت! كيف حالك؟ ماذا تفعل؟
অজানা পৃষ্ঠা
فلما أجبته قال: لا تؤاخذني فأنا لا أقرأ.
وسايرته حتى موقف سيارته في ميدان الأزهر، وهناك سألني: ماذا يدور في الدنيا؟
فذكرت من الأمور ما رأيته جديرا بالذكر، منوها بصفة خاصة بالثورة الجديدة فقال: هبوط صعود، موت بعث، مدني عسكري، فلتسر الدنيا في طريقها، أما أنا فإني أستعد لرحلة أخرى.
وغاب عني من جديد حتى قرأت نعيه عام 1957 على ما أذكر، وأطرف ما سمعت عنه بعد ذلك ما قيل من عثور ابن أخيه على مخطوط له لترجمة غاية في الجمال لديوان «أزهار الشر» لبودلير لم يعرف بالضبط تاريخ ترجمته، ولما كان ابن أخيه هو الوريث الوحيد له - توفيت زوجته في العام السابق لوفاته - فقد أذن بنشره، وهكذا بقي اسمه في المكتبة العربية مقرونا باسم بودلير على ديوان «أزهار الشر».
ولا خلاف في الرأي عن الدكتور إبراهيم عقل بين طلبته، فقد اعتبروه - بلا استثناء - مهرجا، ولكن ثمة مفكرا له وزنه مثل الأستاذ سالم جبر كان يراه ضحية لمجتمع فاسد، وإن لم يغفر له انهزاميته، وذات يوم قال لي أستاذي ماهر عبد الكريم بصوته الهامس: إنكم تظلمون إبراهيم عقل.
فلم أتكلم احتراما لعواطفه نحو صديقه، فقال: إنه عقلية فذة، وكان يبهرنا بذكائه، ونحن في السربون. فقلت: لم يفد أحد من ذكائه شيئا.
فقال متجاهلا تعليقي: وهو الوحيد في مصر الذي يتمتع بعقل فلسفي، بالنظرة الشاملة للأشياء.
ونظر إلي باسما ثم استطرد: لم يخلق كاتبا، ولكنه محدث موهوب، نوع من سقراط، خص أصدقاءه الحميمين بزبدة أفكاره، وطرح أيسر ما عنده على الناس.
فقلت له: لعله يحتاج إلى أفلاطون جديد؛ ليرد إليه اعتباره!
ولكنه اندثر فلم يبق منه إلا مأساة، وترجمة نادرة لأزهار الشر.
অজানা পৃষ্ঠা
أحمد قدري
يقترن أحمد قدري في ذاكرتي بالشهد والفطائر المشلتتة والسينما، كما يقترن بواقعة لا تنسى. وهو قريب لي من أسرة ريفية، كان يفد إلينا في بعض المواسم لقضاء أيام في القاهرة، وكانت إقامته تنقضي في اللعب في شوارع العباسية الهادئة المحفوفة بالحقول والحدائق، كنت في التاسعة أو العاشرة، وكان يكبرني بخمس سنوات، وكان وحيد أبويه، وكان عفريتا بكل معنى الكلمة، واقترح ذات مرة القيام برحلة، ولكي يؤكد براءتها استأذن والدي في أن يصطحبني معه، وذهبت معه مرتديا بدلتي القصيرة، وقال لي ونحن في طريقنا إلى محطة الترام: سأشتري لك بسكوتا بشرط.
فسألت عن الشرط فقال: أن تحفظ تماما ما سأقوله لك ثم تردده عند عودتنا.
فسألت عما ينبغي لي حفظه فقال: إننا ذهبنا إلى سينما أوليمبيا وشاهدنا فيلما لشارلي شابلن.
فوعدته بذلك وأخذت البسكوت ثم ركبنا الترام، وغادرنا الترام في شارع لم أره من قبل، فمضى بي من حارة إلى حارة في عالم جديد وغريب ومثير، وجرني من يدي إلى مدخل بيت آية في الغرابة كان يجلس في دهليزه ثلاث نساء يبهرن النظر بألوان وجوههن وملابسهن، ولا يبالين أن ينكشف من أجسادهن ما ينكشف فوق السيقان، وتحت الأعناق، نهضت إليه إحداهن؛ فأجلسني مكانها وهو يقول: لا تتحرك من مكانك حتى أرجع إليك.
ووصى بي المرأتين، ومضى بصاحبته إلى الداخل، وركزت بصري في بلاط الدهليز المعصراني متجنبا النظر إلى المرأتين، شاعرا في الوقت نفسه بأن مخالفة خطيرة ترتكب على كثب مني، ومتابعا من حين لآخر صوت إحدى المرأتين وهي تغني «يوم ما عضتني العضة». ثم مالت نحوي الأخرى فسألتني: هل معك نصف ريال؟
فأجبت بالنفي فسألت: معك كم؟
فأجبت بخوف وأدب: شلن. - عال، تحب أفرجك على شيء لطيف لم تره؟ - ولكنه قال لي ألا أتحرك! - دقيقة واحدة في هذه الحجرة أمامك. - كلا! - لا تخف، مم تخاف!
وأخذتني من يدي إلى الحجرة، وأغلقت الباب وهي تقول: هات الشلن.
فأعطيتها إياه بلا تردد فقالت وهي تمسحني بعينيها: اخلع بدلتك.
অজানা পৃষ্ঠা
فقلت بفزع: كلا.
وإذا بها تنزع ثوبها فتبدو أمامي عارية، رأيت امرأة عارية لأول مرة، ملأتني الحركة المقتحمة المستهترة فزعا، وملأني المنظر الذي رأيته خطفا فزعا أشد، تراجعت نحو الباب وأنا أنتفض.
فتحت الباب وهرولت إلى الخارج، وضحكتها المائعة المتموجة تتعقبني كثعبان، وتلقتني المرأة الأخرى بقهقهة، وأشارت إلى الكرسي كي أجلس، ولكني وقفت في وسط الدهليز لا أريد أن ألمس شيئا، ولا أريد لشيء أن يلمسني، وجعل المتسكعون خارج البيت ينظرون إلي في دهشة، ويطلقون في وجهي أبشع النكات، ولبثت أعاني محنة وأي محنة حتى رجع أحمد فسألني بفتور: مالك واقف كالديدبان؟
فقبضت على ذراعه كالمستغيث، فمضى بي إلى الخارج، ولم تكن العودة يسيرة كالذهاب؛ إذ صادفتنا مظاهرة ضخمة فشق طريقه خلال أزقة جانبية، وأصوات الرصاص تدوي في الجو، ولما جلسنا في الترام سألني بنبرة الممتحن: أين كنا يا بطل؟
فأجبت من فم جاف: في سينما أوليمبيا. - ماذا شاهدنا؟ - شارلي شابلن. - عظيم، ولكن ما لك مخطوف الوجه؟ - لا شيء. - ضايقتك المرأتان؟ - كلا.
وجعل يراقبني بقلق ثم عاد يسألني: ما لك؟
ففاض بي الحزن حتى كدت أبكي فسألني بقلق: ما لك؟
فقلت بمرارة: لا شيء، إنه شيء خاص جدا، دورا، ليست دورا جميلة كما توهمت. - دورا! من هي دورا؟ - حبيبة دان. - ومن هو دان؟ - بطل المغامرات، ألم تقرأ مجلة الأولاد؟! - أولاد؟! بم تهذي؟ ابسط وجهك، لن نرجع إلى البيت حتى ترجع إلى حالتك الطبيعية!
لم يعلم بمدى شغفي بدورا، ولم يدر بأني تخيلت جسدها من الماس النقي!
ولكن بصفة عامة كانت أيامه بالقاهرة من أسعد أيامي، علمني كرة القدم والملاكمة ورفع الأثقال، وأمتعني بنوادره الفكاهية، وكان يقلد شابلن في مشيته، ويغني المنولوجات المشهورة، ويحاكي عمدة القرية وشيخ الخفراء، وانتقل والداه إلى القاهرة فأقاما في عابدين، فلم يعد يزورنا إلا كل حين ومين. وتعثر في دراسته الثانوية فاختار الالتحاق بمدرسة البوليس، وعقب تخرجه عين في القاهرة لتقدمه، وشغل بحياته الجديدة فانقطع عن زيارتنا وبتنا كالغرباء. لم أره طيلة عمله الأول بالقاهرة إلا خطفا ومصادفة وهو يتسلل خارجا من سراي عصام بك عقب مغامرة غرامية. وتوفي والداه وكدت أنساه تماما، بل نسيته حتى ذكرتني به الحوادث في أثناء الحرب العظمى الثانية وما تلاها بعد أن اختير عضوا في البوليس السياسي. لم يعد أحمد قدري بأحمد قدري الذي عرفته، انقلب شخصية مخيفة تنسج حولها أساطير الرعب، سل سوط عذاب في أيدي الطغاة يلهبون به الوطن والوطنيين. وكنت أسمع عنه وأتعجب، كيف استحال الظريف الماجن شيطانا من شياطين العذاب، كيف يمثل بالشبان من ذوي العقائد الحرة فيجلدهم، ويطفئ السجائر المشتعلة في جفونهم، ويخلع بآلات العذاب أظافرهم! وحدث أكثر من مرة أن نوقش مسلكه على مسمع مني في بعض مجالس الأصدقاء من أهل الفكر والوطنية، مثل رضا حمادة، وسالم جبر وغيرهما، وقيل إنه ما دام لا توجد ثورة شاملة فلا أقل من أن توجد جمعيات سرية لممارسة الاغتيال السياسي دفاعا عن الشعب الأعزل، وقد حدثت بالفعل محاولة لاغتياله أمام نادي محمد علي، ولكنه نجا بأعجوبة، وأفلت مما سموهم وقتها بالجناة الهاربين.
অজানা পৃষ্ঠা