قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا .
فهو في هذه الآية لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يثبت قلوبهم ولا يذود عنهم اليأس، وإنما يعلمهم أن كلامه أزلي خالد لا سبيل إلى إحصائه ولا إلى انقضائه، حتى ولو حاول الناس كتابته بمداد يشبه في كثرته ما في البحر من الماء، حتى ولو مد هذا البحر ببحر آخر مثله.
وفي موضع آخر من القرآن يذكر الله هذا المعنى في تفصيل أكبر وأشمل، ويتحدث هو إلى الناس في الآية الكريمة من سورة لقمان:
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم .
وأحيانا أخرى يوجه الله عز وجل الحديث إلى الناس ولا ينص أمره بتكليف النبي أن يعلمهم كذا أو كذا. ولكنه على ذلك قد اختاره لرسالته وأمره أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه وأن يبلغه كاملا كما أنزل إليه لا يزيد فيه ولا ينقص منه.
وهذا الأمر نفسه يقتضي أن يبلغ النبي نص ما أنزل إليه كما ألقي في قلبه، وأن يبينه للناس حين يحتاجون إلى بيانه، وهو بينه للناس بما يلقي الله في قلبه من العلم.
فالله يأمر المؤمنين أن يقيموا الصلاة، ويأمرهم أن يؤتوا الزكاة، ولكنه لا يبين لهم في القرآن كيف تؤدى الصلاة، ولا يبين لهم مواقيتها في تفصيل ولا يبين لهم عدد الركعات في كل صلاة، وإنما يعلم نبيه هذا كله بما يلقي في قلبه من المعرفة. وعلى النبي أن يعلم الناس مما علمه الله، ولا يخفي عليهم منه شيئا يمكن أن ينفعهم في الدنيا والآخرة إن فعلوه، أو يمكن أن يضرهم في الدنيا أو الآخرة إن اقترفوه. فالنبي حين يصلي الصبح ركعتين بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس إنما يفعل ذلك عن أمر ربه، ويفعله لأداء واجب عليه، ثم ليعلم الناس كيف يؤدون ما يجب عليهم من الصلاة لله تعالى.
وقل مثل ذلك في سائر الصلوات المكتوبة. وهو حين يصلي بعض النوافل قبل أداء المكتوبة أو بعدها إنما يفعل ذلك عن تعليم الله له، وليعلمه للناس على أنه ليس حتما عليهم، بل هو مستحب منهم. وهو حين يبين النصاب الذي تجب فيه الزكاة من المال، ومقدار ما يطلب في هذه الزكاة، إنما يبين ذلك للناس عن أمر ربه أيضا.
وقل مثل ذلك في كل ما أجمله القرآن وفصله النبي بتعليمه للناس بالقول أحيانا وبالعمل أحيانا وبهما جميعا أحيانا أخرى.
وقد بين الله للناس كيف يؤدون إليه حقه عليهم من صيام رمضان، فأمرهم أن يحيوا حياتهم المألوفة ليلا حتى إذا تبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر صاموا عن الطعام وعن أشياء أخرى مما ألفوا إلى الليل.
অজানা পৃষ্ঠা