أي؛ لأنهم حين يتكلمون لا يصدر كلامهم عن قلوبهم وإنما هو شيء تنطق به ألسنتهم نطقا آليا لا يصور ذات نفوسهم. وهم إلى ذلك جبناء يرهبون كل شيء ويحسبون كل صيحة عليهم، وهم إلى هذا كله خطرون بما يكيدون ويمكرون حين يخلون إلى أنفسهم وإلى شياطينهم ومن أجل ذلك يأمر الله نبيه أن يحذرهم.
ثم هم بعد ذلك مستكبرون، إذا دعوا إلى التوبة وإلى رسول الله ليستغفر لهم لووا رءوسهم واستجابوا لكبرياء نفوسهم كما يقول الله:
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون .
وهم ينهون من يسمع لهم عن أن يعينوا النبي على نفقة من يحتاج إلى النفقة من أصحابه، لعلهم يستيئسون منه فينفضوا عنه، ويأمر الله نبيه أن يقول: إن لله خزائن السموات والأرض وهو جدير أن يغني نبيه وأصحابه عن معونتهم، وذلك حيث يقول الله:
هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون .
وكذلك كانت حياة النبي
صلى الله عليه وسلم
في المدينة جهادا كلها، فهو يجاهد المشركين من قريش والمشركين من العرب ويجاهد اليهود في المدينة وخارج المدينة، ثم يجاهد المنافقين الذين يظهرون أنهم له أولياء وليسوا من ولايته في شيء، وإنما هم أولياء أعدائه من المشركين واليهود. وهو يجاهد المنافقين بالصبر على ما يقترفون في ذاته وفي ذات المؤمنين وفي ذات الله عز وجل من السيئات والآثام وبالاحتياط لكيدهم ومكرهم وإغرائهم به وتأليبهم عليه. وهذا الجهاد المتصل المختلف كان جديرا أن يستغرق حياة النبي كلها وأن يشغله عن كل شيء غيره. ولكنك سترى مما يأتي في هذا الحديث أنه لم يستغرق من حياة النبي إلا بعضها بل أقلها، وأنه أنفق سائرها ناشرا للدين معلما للمؤمنين والمسلمين مبينا لهم حقائق دينهم، ومرشدا لهم إلى ما يجب عليهم وما لا ينبغي لهم في سيرتهم من خطير الأمر ويسيره.
ولا بد بعد هذا الحديث الطويل الموجز على ذلك عن المنافقين من أن نعود مرة أخرى إلى جهاد النبي للمشركين.
18
অজানা পৃষ্ঠা