ونسوة سعد ليس فيهم أيم
وكذلك استقامت حياة المسلمين أيام الشيخين أبي بكر وعمر، كلاهما ساس الناس كما كان النبي
صلى الله عليه وسلم
يسوسهم أثناء حياته، والتزم عمر القرآن وسيرة النبي وأبي بكر ورأي الصالحين من الصحابة، في حل ما عرض له من المشكلات التي نشأت عن الفتوح واتساع الدولة وانتشار الجيوش وكثرة الغنائم والفيء، وتنظيم أمور الأرض التي ظهر عليها المسلمون في البلاد المفتوحة، فكان كلما عرضت له مشكلة التمس حلها في كتاب الله، فإن لم يجد ففي سنة رسول الله وسيرة الخليفة من قبله، فإن لم يجد دعا أولي الرأي من المهاجرين والأنصار فشاورهم حتى يجد الحل للمشكلة أو المشكلات التي عرضت له.
وكان تفوق عمر في جهاده نفسه حتى قهرها وذللها، وألزمها سيرة النبي وأبي بكر، من الزهد والقناعة، ومن الصبر والاحتمال، ومن إيثار المسلمين على نفسه والاكتفاء بما يقيم الأود، على رغم ما كان يجبى إليه من كرائم الأموال ونفائسها، وعلى رغم ما كان يغري الناس من زهرة الدنيا ونعيمها، كان تفوق عمر في جهاد نفسه وقهرها على هذا النحو أروع من تفوقه فيما حاول من إقامة الدولة الناشئة. ثم كان يشتد على الناس ولا سيما الذين رأوا النبي وصاحبوه، وعرفوا كيف رفض الدنيا، وكيف آثر عليها الآخرة، فكان يمسك كبار الصحابة في المدينة ولا يأذن لهم بالخروج منها، فإذا هم أحدهم بالجهاد أبى عليه، وقال: قد كان في جهادك مع رسول الله ما يجزئك. كان يخاف عليهم أن يفتتنوا إذا رأوا الأقاليم التي فتحت على المسلمين، وكان يخاف منهم أن يفتتن الناس بهم في الأمصار والأقاليم، فكان يمسكهم في المدينة حماية لهم ولعامة الناس من الفتنة. وكان في هذا موفقا أشد التوفيق. وسترى الدليل على ذلك واضحا حين أذن عثمان لكبار الصحابة بالتفرق في الأرض، فكان ذلك من مصادر الفتنة التي حادت بالمسلمين عن الجادة، وضربت بعضهم ببعض، وجعلت بأسهم بينهم شديدا، ثم كان شديدا على قريش خاصة، وعلى مسلمة الفتح منهم بنوع أخص. كان يعرف ذكاءهم ومهارتهم في اكتساب المال وإيثارهم للثراء ورغد العيش، فكان يحميهم من أنفسهم ومن أن يتهافتوا في النار كما كان يقول.
وكان شديدا على أسرته من آل الخطاب، يكره أن يغتروا أو أن يغتر الناس بأنهم رهط أمير المؤمنين. ثم كان شديد المراقبة لأهل المدينة ومن حولها، يريد أن يعرف من قرب حاجاتهم وأن يبلغ من رضاهم ما يستطيع، ولم يعرف المسلمون خليفة كان أشد منه على ولاته في الأقاليم يدعوهم إلى لقائه في الموسم من كل عام، ويدعو مع كل واحد منهم ذوي الرأي في إقليمه. فإذا التقوا في موسم الحج سأل الولاة عن رعيتهم وسأل الرعية عن ولاتها. وكان كثيرا ما يبرأ إلى الله مما يمكن أن يتورط الولاة فيه من جور أو خطأ أو تقصير؛ ولذلك كانت نكبة المسلمين بقتله حين قتل أعظم وأكبر من أن توصف. وما أشك في أن عمر - رحمه الله - لو مدت له أسباب الحياة لأقام الدولة الإسلامية على أسس تعصمها من التفرق والانقسام. ولكن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا.
وولي أمور المسلمين من بعده عثمان، فاستقامت له الأمور أعواما فيها رضي عن الناس ورضي الناس عنه، ومضت جيوش المسلمين في الفتح شرقا وغربا، ولكنه وسع على الناس فأسرف الناس على أنفسهم، ولان لقريش فطمعت فيه قريش. ووصل بني أمية رهطه فأغراهم بالغنى، وفتح أمامهم أبواب الطمع واسعة حتى طمعوا فيه هو فاستأثروا به. وتسلطوا عليه حتى غلبوا على أمره كله، فجعلوا يولون ويعزلون والخليفة يقر ما يفعلون.
وكان عثمان حين ولي الأمر قد تقدمت به السن فبلغ السبعين أو جاوزها، فلم يلبث أن ضعفت مقاومته للطامعين من قريش عامة، ومن بني أمية خاصة.
وما هي إلا أن تنتشر في الأقاليم كلمة السوء، فيفتن الناس بمن رأوا من كبار الصحابة، كطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. ويعسف الولاة فتظهر الفتنة ولا تلبث الأقاليم والأمصار أن تنكر من أمور الحكم أشياء، وتنتهي أمور الأقاليم إلى الثورة، وإذا الجنود تأتي من البصرة والكوفة ومصر، فيشكون، ويحتال بعض الصحابة - وعلي خاصة - في أن يأخذ لهم الرضى من عثمان، وتوشك الأزمة أن تنحل، ولكن البطانة من بني أمية ينقضون ما أبرم الخليفة ويغرون بعض الولاة برعيتهم سرا، ويستكشف الثائرون هذا الإغراء الذي ختم بخاتم الخليفة عن غير علم منه، فيرجعون إلى المدينة ويحتلونها ثم يحاصرون الخليفة في داره، وما يزالون على حصارهم حتى يتسوروا الدار ويقتلوا الخليفة في النهار المبصر.
وبمقتل عثمان - رحمه الله - تفتح أبواب الفتنة على مصاريعها، وليس من شك في أن السخط على حكم عثمان لم يكن مقصورا على الأمصار والأقاليم، بل كان في المدينة نفسها منكرون لنظام الحكم ضائقون بغلبة بني أمية للخليفة على أمره. وكان من أهل المدينة مشنعون على عثمان ومشهرون به، فلما قتل عثمان حكم الثوار المدينة حكما عسكريا أياما حتى دفن الخليفة سرا بليل.
অজানা পৃষ্ঠা