فطرب الوليد للشعر، وأمر بأن تعد أبيات القصيدة، وأن يعطى بكل بيت ألف درهم، وكانت خمسين بيتا، ثم أمر كاتبه عياضا أن يجري عطاء دائما على عجزة أهل الشام من الشيوخ، والمرضى، والعميان، والفقراء المعدمين، وأن يخص كل واحد منهم بخادم، وأمره بأن يزيد في عطاء كل صاحب عطاء عشرة دنانير، وأن يصل بأعطية أهل الشام إلى ضعف ما كانوا يأخذون.
ثم طلب منه أن يكتب إلى نصر بن سيار عامله على خراسان، أن يسير إليه مع وجوه من أهل خراسان، وأن يحضر معه برابط وطنابير ودفوفا وأباريق من ذهب وفضة، وأن يجمع كل صناجة يقدر عليها، وكل باز، وكل برذون فاره، ثم أطرق قليلا وقال: وعليك أن تحصر علماء الحديث والقرآن بالشام والمدينة، ثم تجري على كل واحد منهم مائتي دينار في العام.
والتفت إلى ابن سهيل وقال: وأنت يا ابن سهيل مر كبير شرطتي أن يقبض على يزيد بن عنبسة، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن الوليد، والزهري، وأبناء القعقاع، وأن يزج بهم في سجن الظلام، فقد كنت أحن إلى اليوم الذي أشفي فيه نفسي منهم.
وما كاد ينتهي من أوامره حتى وصل سعيد بن خالد فاستأذن له، فدخل وهو يرتجف من الخوف، فقبل يد الوليد وهنأه بالخلافة، فقال الوليد: أقبل علي يا ابن خالد، فإن بيننا حسابا عسيرا. - لقد سعدت الدنيا بك يا أمير المؤمنين وسعد الناس، وهذا يوم صفاء يجب ألا يكدر بذكر الماضي. - صدقت يا ابن خالد، ولكنك كنت علي إلبا مع هشام، ولو شئت أن أنتقم لفعلت، ولكن شفيعا لا يرد يأتي دونك ودوني، فيرد عنك يدي، ويغمد سيفي. كيف سلمى؟ - هي بخير، تقبل يدي أمير المؤمنين، وترجو رضاه. - ترجو رضاي؟ ولقد لبثت شهورا بائع ثياب لألتمس منها كلمة رضا! والآن وقد أصبحت أمير المؤمنين أتقبل أن تزوجنيها؟ - هي خادمة لأمير المؤمنين، فوثب الوليد من مجلسه وثبة عصبية، وصاح في أصحابه: أعدوا كل شيء للعروس.
وكان عرسا لم تر له دمشق مثيلا، تألقت فيه الأنوار، ومدت الموائد، ونثرت الدنانير واللآلئ، وتواترت فيه الهدايا من كبار الدولة، وعمال الأمصار، ولم يبق عود ولا طنبور ولا دف في المدينة إلا أطلق العنان للألحان، ولم تبق راقصة ولا شادية إلا عرضت من فنونها ما يثير الوجدان، ويعجز البيان، ولعبت نشوة الفرح بالرءوس فسالت الأعطاف، وجمد اللسان، وعرض أشعب ألاعيبه وفنونه بين ابتسامات الشيوخ، وضحكات الحسان، واخترق الوليد الجمع الحاشد وهو يصيح في غير مبالاة:
أو لا تخرج العرو
س فقد طال حبسها؟!
قد دنا الصبح أو بدا
وهي لم يقض لبسها!
وبعد قليل تحققت أمنيته وابتسم له القدر العابس، وزفت إليه حبيبة قلبه وريحانة حياته بعد أن ضرب الدهر بينه وبينها، وكاد اليأس يقضي عليه وعليها.
অজানা পৃষ্ঠা