إذ أتاني نعي من بالرصافة
وأتانا البريد ينعي هشاما
وأتانا بخاتم للخلافة
وأمر من معه بالرحيل إلى دمشق، ودخل المدينة في موكب حافل وهو فوق فرسه «الرائد»، وقد لبس خلع الخلافة، وقبض على عصاها، ووضع فوق رأسه عمامة بها ياقوتة حمراء بقدر الكف قبلتها أشعة الشمس، ثم ارتدت عنها فأرسلت بريقا وألوانا تتخطف العيون، وحف به ندماؤه وكتابه وعماله وكبار أهل الرأي من بني أمية، واصطف الناس وتزاحموا على الجانبين، ورددوا صيحات الفرح، والاستبشار بالخليفة الشاب، ونثر أمامه النثار الدنانير والدراهم، فانكب عليها الناس في هرج وشره كما تنقض سباع الطير على فرائسها، ومشى المغنون وهم ينقرون الدفوف، ويعزفون بالطنابير، وكان أشعب يرقص أمامهم رقصات عجيبة يتلوى فيها جسمه كما يريد، كأنه خلا من العظام، ويرسل النكات سافرة ومحجبة لا يبالي من يقذف بها.
وبلغ الموكب قصر الخلافة، وجلس الوليد على عرش آبائه بعد أن طال إليه اشتياقه، وكاد يدركه اليأس منه، وتقدم صنايد الأمويين، وعظماؤهم يبايعونه، ويسلمون عليه بالخلافة، وبايع الناس جميعا، وطارت إليه الرسل من أقصى الأرض بالبيعة والتهنئات، وجال بخاطره - وهو في هذه النشوة الساحرة، وذلك العز الشامخ - بيت من الشعر قالته لسليمان بن عبد الملك إحدى حظاياه :
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى
غير أن لا بقاء للإنسان!
فغام وجهه، وزاغ بصره، فهز رأسه هزا عنيفا، كأنه يريد أن يطرد عنه طائر التطير، ثم أمر ابن عبد الأعلى أن يدعو إليه سعيد بن خالد، وقدم عليه في هذه الأثناء وفد الشعراء، وكان في مقدمتهم يزيد بن ضبة، وهو شيخ جاوز السبعين، دخل يتوكأ على عصاه، فهنأ الوليد بالخلافة، وانكب على رجليه يقبلهما، وكان ابن ضبة في أول عهده منقطعا إلى الوليد، فلما أفضت الخلافة إلى هشام فر من وجهه إلى الطائف، وحين رآه الوليد فرح به وهش للقائه وأدناه، وقال لحاشيته: هذا طريد هشام لصحبته إياي، وانقطاعه إلي! هات يا ابن ضبة ما عندك، فأنشده قصيدة منها:
سخا بالذهب الأحمر وزنا بالقناطير
كريم العود والعنصر غمر غير منزور
অজানা পৃষ্ঠা