فإن النبيذ هو الشراب الفرنسي غير المدافع، أما في ألمانيا، وسائر الأمم الشمالية الغربية في أوروبا بما فيها بريطانيا، فإن البيرة، التي لا يخجل بعضنا من تسميتها بالاسم الفظيع «جعة» تأخذ مكان النبيذ، وليس في أوروبا كلها هذا الاستنكار الذي نجده في مصر نحو الخمور، بل إن كثيرا من الأنبذة العالمية يصنعه الرهبان المسيحيون في الديور، ونحن في مصر نأكل الأعناب، ولكنهم في فرنسا يشربونها دما وروحا، والفرنسي الذي يملك عشرين أو ثلاثين فدانا قد يزرع نصفها بالكروم، ولكنه لا يبيع أعنابها، كما نفعل حين نشتري عناقيد تتلألأ على عربات الباعة الجائلين أو عند الفاكهاني؛ إذ هو يجد أن ربحه يعظم كثيرا حين يحيل أعنابه إلى أنبذة يبيعها في براميل أو زجاجات، وصناعة النبيذ في فرنسا مألوفة لا تجهلها امرأة فرنسية في الريف، ويبدو أنها لا تحتاج إلى معارف فنية، وحين لا يزرع الفلاح الكروم في أرضه فإنه يخرج أيام الموسم ويشتري نحو ثلاث مئة أقة من الأعناب المختلفة، ويعود بها إلى منزله حيث تتولى زوجته أو أمه استخراج النبيذ منها بما يكفي الاستهلاك للعام كله، بل إنهم يصنعون النبيذ من التفاح أيضا ويبيعونه باسم «السيدر»، والأصناف الجيدة منه هي شيء بين الماء والهواء عطرا وطعما ونشوة.
والكل يشرب الخمور: الخادم والسيد، الطفل والكهل، المرأة والرجل. وقد ضحكت كثيرا حين ناقشت أحد الفرنسيين عن ضرر الخمر، وتجاهل الشعب للماء، كأنه لا يوجد في فرنسا، فجعل يصف لي ميزاتها وينشد أو يتغنى ببعض الأبيات التي قيلت فيها، وكان آخر ما ذكره لي عن ميزاتها أنها تصالح الزوجين المتشاجرين، ولولاها لزاد الطلاق في فرنسا، ثم ختم حديثه بأنه لا يجوز لي أن أعيب الخمر وقد بارك عليها المسيح نفسه، ودعا يعقوب الله بأن يوفرها لأبنائه.
المسلمون في الصين
يذكر «ولز» الأديب المؤرخ الإنكليزي في تاريخه الكبير، أن أول المساجد في الإسلام بني في الصين.
ولست أعتقد أن هناك ما يثبت هذا القول، ولكن يبدو المؤلف أنه كان يعتقد أن العرب كانوا قبل الإسلام، متصلين بالصين، يتجرون مع سكانها، ولهم سفن تمخر البحار الهائجة التي تقع شرقي الهند، وتنقل المتاجر من شرق آسيا إلى غربها وإلى أوروبا وإفريقيا.
وهذا هو ما لا شك فيه، فإن العرب أو بالأحرى المسلمين، يستوطنون في عصرنا الجزر الكبرى التي تقع في الجنوب الشرقي من آسيا مثل جاوة وسومطرة، بل هم قد وصلوا إلى جزر الفيليبين التي تقع جنوب اليابان.
وهم في انسياحهم هذا، وتوسعهم بالهجرة إلى هذه الأقطار البعيدة إنما كانوا ينبعثون بالتجارة.
كانوا قبل الإسلام يقومون بالتجارة بين أمم آسيا الشرقية والجنوبية بما في ذلك الهند وإيران عن طريق البحر، ثم زادوا على هذه الطريق بعد الإسلام، طريق البر في وسط آسيا عندما امتد التوسع الإسلامي بالفتوحات الأموية والعباسية إلى حدود الصين.
وفى أيامنا هذه نجد المسلمين في الصين وفي التيبت، بل نجدهم في شرق الصين وجنوبها من الجزر التي ذكرناها.
وعندما نقرأ الكتب العربية القديمة في تاريخ الفتوحات الإسلامية مثل الطبري، نجد الالتفات الكبير إلى زحف الجيوش العربية إلى آسيا الوسطى، فإنه يشرح هذا الزحف في عشرات الصفحات الحافلة بالتفاصيل، فهناك كفاح وقتال، وهناك مساومات للصلح ونحو ذلك، إلى أن نصل إلى حدود الصين حيث يروي لنا الطبري قصة تشبه المسرحية، هي أن العرب عندما بلغوا حدود الصين بعث إليهم ملك الصين يسألهم عن أغراضهم ويستطلع أحوالهم ويقدر قوتهم، فعمد القائد العربي إلى عرض لفروسيتهم، فخرج الفرسان على خيولهم، وأبدوا من الخفة والمهارة في ركوب الخيل وركضها ومعالجة القتال ثابتون على صهواتها ما دهش له المبعوثون الصينيون.
অজানা পৃষ্ঠা