وهي أيضا حافلة أو حاملة لهذا المستقبل الذي يعد وعود الورد والسعادة بتسلط الإنسان على الطبيعة، على الزمن، على الماء والهواء، على الذرة.
وهي دنيا الخير والأمل، ولكن دعاة الحرب يحاولون أن يجعلوها دنيا النار والدمار ، دنيا الجنيه والقرش، دنيا الكسب والخسارة، دنيا المقامرة بالحياة والمال.
فوق باريس هم يخيم عليها؛ لأنها تحس أنها وهي عاصمة العالم تستعد للحرب، حرب التعصب المذهبي، حرب السيادة، حرب الاستعمار.
وهي تخفف هذا الهم، أو تحاول أن تنساه بالخمر، وحين تسهر باريس، فإنها لا تسهر عن يقظة؛ لأن يقظتها هذه هي أرق اليأس.
دماء الأعناب في فرنسا
يذكر الذين قرأوا التوراة وعنوا بما فيها من القيم الأدبية والأخلاقية، فضلا عن الدينية، أن يعقوب قبيل وفاته بارك أولاده ودعا الله أن يكثر لم من «دماء الأعناب».
وهذا الوصف للخمر، من نبي عظيم، يدعو إلى التأويل الكثير، فإن الخمور لم تكن مكروهة في العصور القديمة عند المصريين والعبرانيين، وإن كان حكماؤهم قد حضوا، على الدوام، على تجنب الانغماس.
وقد ذكرت هذا الوصف، كما ذكرت الدعاء، وأنا في فرنسا هذه الأيام، فإن الشعب كله يشرب الخمور، وهي ليست من دماء الأعناب فقط بل من أرواحها؛ لأن قدماء المصريين والعبرانيين كانوا يخمرون الأعناب فقط، أما فرنسا فتزيد على ذلك بالاستقطار، أي استخراج الكحول صافيا أو كالصافي من الأعناب عن طريق النار والأمبيق.
وكثيرا ما أطلب القهوة فيتطوع النادل بتقديم زجاجة صغيرة من الروم كي أمزجه بالقهوة، ونحن نقنع في تحية الضيوف بالقهوة، ولكنهم في فرنسا يؤثرون عليها كأسا من الخمر تفرج عن كظومهم بالحديث الحر.
وقد أصبحت للخمور في أوروبا ثقافة لا تكاد تدري آفاقها، فقد قرأت هذا الأسبوع مقالا عن كتاب عنوانه «بلاد النبيذ» لمؤلفه «هيلجارتين» وثمنه ألفا ومئة فرنك، أي: أكثر من جنيه مصري، كما قرأت عن كتاب آخر بعنوان «الدليل الشعبي إلى النبيذ» لمؤلفه بوستجيت وثمنه واحد وأربعون قرشا، وظهور كتابين في شهر واحد عن النبيذ بمثل هذا الثمن العالي يوضح لنا قيمة الأنبذة في أوروبا عامة وفرنسا خاصة، أجل إن الخمور في فرنسا جزء من التقاليد والآداب.
অজানা পৃষ্ঠা