[14] فأما غلط البصر في المعرفة من أجل خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال فكالمبصرات التي تكون في غاية الصغر إذا كان فيها معان لطيفة وأجزاء متميزة وتخطيط في غاية الدقة، وكان البصر لا يدرك المعاني اللطيفة وتلك الأجزاء المتميزة وذلك التخطيط لصغر ذلك ولطافته، أو يدرك بعضها ولا يدرك البعض، ولا يدرك هيآتها، وكان مع ذلك يدرك جملة المبصر مع صغره لأنه أنفس من كل واحد من أجزائه. فإن البصر إذا أدرك المبصرات التي بهذه الصفة ربما لم يتحقق صورها فيعرض له الغلط في مائياتها. وذلك أن البصر إذا أدرك حيوانا في غاية الصغر فربما ظنه غيره من الحيوانات التي تشبهه. ومال ذلك إذا رأى البصر نملة على حائط أو على بعض الثمار أو على بعض الحبوب فربما ظنها سوسة، أو رأى سوسة على حاط فربما ظنها نملة، أو رأى برغوثا فربما ظنه سوسة وربما ظنه نملة إذا لم يثبت البرغوث في الحال وكان ساكنا، أو رأى بعوضة سوداء فربما ظنها نملة إذا كانت ساقطة ولم تكن طائرة. وكذلك إذا رأى البصر حبا من الحبوب الصغار كالخردل والرشاد وها يجري مجراهما فربما ظن النوع من هذه الأنواع نوعا من أنواع الحبوب التي تشبهه. وأمثال هذه المبصرات كثير وكثيرا ما يقع للبصر الغلط في إدراكها.
[15] وإذا أدرك البصر حيوانا وظنه حيوانا غير، أو حبا من الحبوب وظنه غيره من الحبوب، فهو غالط في إدراكه، وغلطه في هذا المعنى إنما هو غلط في المعرفة، لأن الغلط في نوعية المبصر إنما هو غلط في المعرفة. وعلة هذا الجنس من الغلط إنما هو خروج حجم المبصر عن حد الاعتدال، لأن الحيوان إذا كان مقتدر الحجم فليس يغلط البصر في مائيته إذا كانت جميع المعاني الباقية التي في ذلك المبصر التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه في عرض الاعتدال. وكذلك أنواع جميع المبصرات ليس يعرض للبصر الغلط في مائياتها إذا كانت مقتدرة الحجم وكانت المعاني الباقية التي فيها التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه في عرض الاعتدال. فعلى هذه الصفات وأمثالها يكون غلط البصر في المعرفة من أجل خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال.
পৃষ্ঠা ৪০৪