هذا كله إن حملنا كلام هؤلاء -كما هو المتبادر منه- على أنه في الصورة السابقة، وهي هدم ما صنعه الحجاج، وردها على بناء ابن الزبير.
ويؤيد ذلك: أن هذا هو الذي أراده هارون أو أبوه أو جده، فمنعه منه مالك رضي الله عنه، وأما بقية بناء ابن الزبير فلم يتعرض له أحد بعد الحجاج بهدم ولا تغيير، ولا أراد أحد فيه ذلك -كما قاله التقي الفاسي وغيره، كما يأتي- حتى يقع فيه خلاف، وإنما الذي وقع من الملوك من ذلك الزمن وإلى الآن، ترميم وإصلاح لنحو السقف والعتبة والميزاب والباب.
على أن من العجب الدال على كرامة ابن الزبير، أن جميع الإصلاحات الواقعة في نحو جدار الكعبة وبابها، إنما هي فيما صنعه الحجاج وما قرب منه، دون بناء ابن الزبير، كما سيأتي مبسوطا.
أما إذا لم نحمله على تلك الصورة الخاصة، بل على ما عداها، فالإجماع على الامتناع من هدم بعض جدارها أو تغييره بلا ضرورة، أمر حقيقي واقع لا مرية، وليس ذلك من خصوصيات الكعبة، بل هو جار في كل مسجد؛ إذ من البديهي في سائر المساجد، أنه لا يجوز لأحد هدم أبنيتها، ولا تغييرها عما هي عليه من غير ضرورة أو حاجة ماسة.
وحينئذ فلا يجوز لأحد حمل اختلاف العلماء على ذلك، بل يتعين حمله على ما قررناه وأوضحناه، فتأمله لئلا يزل قدمك، ويطغى قلمك، أعاذنا الله أجمعين من ذلك بمنه وكرمه، آمين.
পৃষ্ঠা ৪৯