فإن قلت: ما الفرق بين ((أحب)) حيث لا يستعملها إلا في المندوب، و((أكره)) حيث يستعملها في الأمرين؟
قلت: الفرق ما استفاض على لسانه ولسان أصحابه، أن المكروه قد يكون كراهته للتحريم، وقد يكون كراهته للتنزيه، فصح استعمال ((أكره)) فيهما.
وأما المحبوب فلم يقع اصطلاح على أن مجيئه قد يكون للإيجاب وقد يكون للندب، بل لم يستعمل إلا قسيما للواجب، فتعين صرفه له.
وفي البديهة ما يقضي بالفرق بين ((أحب كذا)) و((لا أحب كذا))، فلا مساواة بينهما يقضى بها على ابن هبيرة، فتأمل ذلك كله؛ فإنه قد وقع فيه غلط.
هذا ما يتعلق بالقائلين بالجواز نقلا ودليلا، وهو يفهم بالأولى ما قدمته من جواز إصلاح ما وهى وتشعث من الكعبة وإن لم يسقط.
وأما القائلون بالمنع، فيشهد لهم قول النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): ((قال العلماء: ولا تغير الكعبة عن هذا البناء))، ويحتمل أن يريد أن نفي ذلك أولى؛ ليوافق ما مر عن الشافعي رضي الله عنه.
ويشهد لهم أيضا -بل يصرح به- قول السبكي: ((الإجماع انعقد على عدم جواز تغيير الكعبة)). اه، وقول الزركشي -بعد الحكاية السابقة عن مالك رضي الله عنه والرشيد أو أبيه أو جده-: ((واستحسن الناس هذا من مالك رضي الله عنه، وعملوا عليه، وصار كالإجماع على أنه لا يجوز التعرض للكعبة بهدم أو تغيير)). اه.
فإن قلت: كيف هذا الإجماع مع وجود ما مر من الخلاف؟
قلت: أما عبارة النووي فهي محتملة فلا دليل فيها، وأما عبارة السبكي فصريحة في نقل الإجماع، لكن فيها نظر، وكأن هذا هو السبب في عدول الزركشي عنها إلى قوله: ((فصار كالإجماع ..)) إلخ، فأفهم أنه ليس في المسألة إجماع حقيقي، وهذا هو الحق.
পৃষ্ঠা ৪৮